الأعراف آية ٦٥
تضاعيفه واستمرّوا على ذلك هذه المدةَ المتطاولةَ بعد ما كرر عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عليهم الدعوةَ مراراً فلم يزدهم دعاؤُه إلا فراراً حسبما نطق به قوله تعالى رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً الآيات إذ هو الذي يعقُبه اتلإنجاء والإغراق لا مجرد التكذيب ﴿فأنجيناه والذين مَعَهُ﴾ من المؤمنين قيل كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأةً وقيل تسعةً أبناؤُه الثلاثة وستةٌ ممّن آمن به وقوله تعالى ﴿فِى الفلك﴾ متعلقٌ بالاستقرار في الظرف أي استقروا معه في الفلك وصحبوه فيه أو بفعل الإنجاء أي أنجيناهم في السفينة ويجوز أن يتعلق بمُضْمَرٍ وقعَ حالاً مِنْ الموصول أو من ضميرِه في الظرف ﴿وأغرقنا الذين كذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أي استمروا على تكذيبها وليس المرادُ بهم الملأَ المتصدِّين للجواب فقط بل كان من أصرّ على التكذيب منهم ومن أعقابهم وتقديمُ ذكرِ الإنجاءِ على الإغراق للمسارعة إلى الإخبار به والإيذانِ بسبق الرحمةِ التي هي مقتضى الذاتِ وتقدُّمِها على الغضب الذي يظهر أثرُه بمقتضى جرائمِهم ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ﴾ عُمْيَ القلوبِ غيرَ مستبصرين قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عمِيَتْ قلوبُهم عن معرفة التوحيد والنبوةِ والمعاد وقرىء عامِينَ والأولُ أدلُّ على الثبات والقرار
﴿وإلى عاد﴾ متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى أرسلنا في قصَّة نوحٍ عليه السلام وهو الناصبُ لقوله تعالى ﴿أخاهم﴾ أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحداً منهم في النسَب لا في الدين كقولهم يا أخا العرب وقيل العاملُ فيهما الفعلُ المذكور فيما سبق وأخاهم معطوف على نوحاً والأولُ هو الأولى وأياً ما كان فلعل تقديم المجرور ههنا على المفعول الصريح للحِذار عن الإضمار قبل الذكر يرشدك إلى ذلكَ ما سيأتِي من قوله تعالى وَلُوطاً الخ فإن قومَه لمّا لم يُعهدوا باسمٍ معروف يقتضي الحالُ ذكرَه عليه السلام مضافاً إليهم كما في قصة عاد وثمودَ ومدينَ خولف في النظم الكريم بين قصتِه عليه السلام وبين القصصِ الثلاثِ وقولُه تعالى ﴿هُودًا﴾ عطفُ بيانٍ لأخاهم وهو هودُ بنُ عبدِ اللَّه بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص ابن إرم بن سام بنِ نوحٍ عليه السلام وقيل هود بن شالخ بن أرفخشذَ بنِ سامِ بن نوح بن عم أبي عاد وإنما جعل منهم لأنهم أفهمُ لكلامه وأعرفُ بحاله في صدقه وأمانتِه وأقربُ إلى اتباعه ﴿قَالَ﴾ استئناف مبني على سؤالٍ نشأَ من حكايةِ إرسالِه عليه السلام إليهم كأنه فماذا قال لهم فقيل قال ﴿قَالَ يَا قَومِ اعبدوا الله﴾ اي وحدوه كما يعرب عنه قوله ﴿مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ﴾ فإنه استئنافٌ جارٍ مجرى البيان للعبادة المأمور بها والتعليلُ لها أو للأمر بها كأنه قيل خُصّوه بالعبادة وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً إذ ليس لكم إله سواه وغيرُه بالرَّفعِ صفةٌ لإله باعتبار محله وقرىء بالجمر حملاً له على لفظه ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ إنكارٌ واستبعادٌ لعدم اتقائِهم عذابَ الله تعالى بعدَ ما علموا ما حل بقوم نوحٍ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ أي ألا تتفكرون أو أتغفُلون فلا تتقون فالتوبيخُ على المعطوفين معاً أو أتعلمون ذلك فلا تتقون فالتوبيخُ على المعطوف فقط وفي سورة هود أفلا تعقولن ولعله عليه السلام خاطبهم بكل منهما وقد اكتُفي بحكاية كلَ منهما في موطن عن حكايته في موطن آخرَ كما لم يذكر ههنا ما ذُكر هناك من قولِه تعالَى إِن أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ وقِسْ على ذلك حالَ بقيةِ ما ذُكر وما لم يُذكر من أجزاء القصةِ بل


الصفحة التالية
Icon