الأعراف آية ٦٦ ٦٩
حالَ نظائرِه في سائر القصصِ لا سيما في المحاورات الجاريةِ في الأوقات المتعددة والله أعلم
﴿قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾ استئنافٌ كما مر وإنما وُصف الملأُ بالكفر إذْ لم يكن كلُّهم على الكفر كملأ قومِ نوحٍ بل كان منهم من آمن به عليه السلام ولكن كان يكتُم إيمانَه كمرثد بن سعد وقيل وصفوا له لمجرد الذم ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ أي متمكناً في خِفّة عقلٍ راسخاً فيها حيث فارق دينَ آبائِك أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاءُ ولكن لا يعلمون ﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين﴾ أي فيما ادعيْتَ من الرسالة قالوه لعراقتهم في التقليلد وحِرمانِهم من النظر الصحيح
﴿قَالَ﴾ مستعطفاً لهم ومستميلاً لقلوبهم مع ما سمع منهم ما سمع من الكلمة الشنعاءِ الموجبةِ لتغليظ القول والمشافهة بالسوء ﴿يا قوم لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ﴾ أي شيءٌ منها ولا شائبةٌ من شوائبها ﴿وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين﴾ استدراكٌ مما قبله باعتبار ما يستلزمه ويقتضيه من كونه في الغاية القصوى من الرُّشد والأناةِ والصدقِ والأمانة فإن الرسالةَ من جهة ربِّ العالمين موجبةٌ لذلك حتماً كأنه قيل ليس بي شيء مما نيتموني إليه ولكني في غايةِ ما يكونُ من الرشدُ والصِّدقُ ولم يصرِّحْ بنفي الكذِب اكتفاءً بما في حيز الاستدراك ومِنْ لابتداء الغايةِ مجازاً متعلقةٌ بمحذوف وقع صفة لرسولٌ مؤكدة لما أفادَه التنوينُ من الفخامةِ الذاتيةِ بالفخامةِ الإضافيةِ وقولُه تعالى
﴿أُبَلّغُكُمْ رسالات رَبّى﴾ استئنافٌ سيق لتقرير رسالتِه وتفصيلِ احوالها وقيل صفة أخرى لرسولٌ والكلامُ في إضافة الربِّ إلى نفسه عليه السلام بعد إضافته إلى العالمين وكذا في جمع الرسالاتِ كالذي مر في قصة نوحٍ عليه السلام وقُرِىءَ أُبْلِغُكم من الإبلاغِ ﴿وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ معروفٌ بالنصح والأمانةِ مشهورٌ بين الناس بذلك وإنَّما جيء بالجملةِ الاسميةِ دلالة على الثبات والاستمرار وإيذاناً بأن مَنْ هذا حالُه لا يحوم حولَه شائبةُ السفاهةِ والكذب
﴿أوعجبتم أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ الكلامُ فيه كالذي مر في قصة نوح عليه السلام ﴿على رَجُلٍ مّنكُمْ﴾ أي من جنسكم ﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾ ويحذرَكم عاقبةَ ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي حتى نسبتموني إلى السفاهة والكذبِ وفي إجابة الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُه عليهم أجمعين من يشافِهُهم بما لاَ خيرَ فيهِ من أمثال تلك الأباطيلِ بما حُكيَ عنهم من المقالات الحقة المعربة عن نهاية الحلم والرزانة وكمالِ الشفقةِ والرأفة من الدلالة على حيازتهم القدحَ المُعلَّى من مكارم الأخلاق ما لا يخفى مكانُه ﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء﴾ شروعٌ في بيان ترتيبِ أحكامِ النصح


الصفحة التالية
Icon