الأعراف آية ٧٤
وكانت ترِدُ غِباً فإذا كان يومُها وضَعتْ رأسَها في البئر فما ترفعها حتى تشربَ كلَّ ما فيها ثم تتفحج فيحتلبون ما شاءوا حتى تمتلىء أوانيهم فيشربون ويدّخرون وكانت إذا وقع الحرُّ تصيّفت بظهر الوادي فيهرب منها أنعامهم فتهبِط إلى بطنه وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشق ذلك عليهم وزيَّنَت عَقرَها لهم امرأتانِ عنيزة أم إن وصدقة بنتُ المختار لِما أضرَّت به من مواشيهما وكانتنا كثيرتي المواشي فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه فانطلق سقيها حتى رقيَ جبلاً اسمُه قارةُ فرَغا ثلاثاً وكان صالح عليه السلام قال لهم أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه فانفجت الصخرةُ بعد رغائِه فدخلها فقال لهم صالح تُصبحون غدا وجوهكم مصفرة وبعد غدو وجوهكم محمرةٌ واليوم الثالث ووجوهكم مسودة يصبّحكم العذاب فلما رأوا العلاماتِ طلبوا أن يقتُلوه فأنجاه الله تعالَى إلى أرضِ فلسطين ولما كان اليومُ الرابع وارتفع الضحى تحنّطوا بالصبر وتكفنوا بالأنْطاع فأتتهم صيحةٌ من السماء ورجفةٌ من الأرض فتقطّعت قلوبُهم فهلكوا وقوله تعالى ﴿هذه ناقة الله لكم آية﴾ استئنافٌ مسوقٌ لبيان البينة وإضافةُ الناقةِ إلى الاسم الجليلِ لتعظيمها ولمجيئها من جهته تعالى بلا اسباب معهودة ووسايط معتاد ولذلك كانت آيةً وأيَّ آية ولكم بيانٌ لمن هي آيةٌ له وانتصابُ آيةً على الحالية والعاملُ فيها معنى الإشارةِ ويجوز أن يكون ناقةُ الله بدلاً من هذه أو عطف بيان له أو مبتدأ ثانياً ولكم خبراً عاملاً في آية ﴿فذروها﴾ تفريعٌ على كونها آيةً من ى يات الله تعالى فإنَّ ذلك ممَّا يوجب عدم التعرّضِ لها ﴿تأكل في أرض الله﴾ جوابُ الأمر أي الناقةُ ناقةُ الله والأرضُ أرضُ الله تعالى فاتركوها تأكلْ ما تأكلُ في أرض ربها فليس اكم أن تحولوا بينها وبينها وقرىء تأكلُ بالرفع على أنه في موضع الحالِ أي آكلةً فيها وعدمُ التعرض للشرب إما للاكتفاء عنه بذكر الأكلِ أو لتعميمه له أيضاً كَما في قولِه علفتُها تِبْناً وماء باردا وقد ذكر ذلك في قوله تعالى لها شِرْبٌ وَلَكُمْ شربُ يومٍ مَّعْلُومٍ ﴿ولا تمسوها بسوء﴾ نُهي عن المس الذي هو مقدمةُ الإصابةِ بالشرّ الشامل لأنواع الأذيةِ ونُكِّر السوءُ مبالغةً في النهي أي لا تتعرضوا لها بشيء مما يسوءها أصلاً ولا تطرُدوها ولا تيبوها إكرما لآية الله تعالى ﴿فيأخذكم عذاب أليم﴾ جوابٌ النهي ويُروى أن رسول الله ﷺ حين مر بالحِجر في غزوة تبوك قال لأصحابه لا يدخُلنّ أحدٌ منكم القريةَ ولا تشربوا من مائها ولا تدخُلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبَكم مثلُ الذي أصابهم وقال ﷺ لعلي رضيَ الله عُنهُ يا علي أتدري من أشقى الأولين قال الله ورسولُه أعلم قال عاقرُ ناقةِ صالح أتدري من أشقى الآخِرين قال الله ورسولُه أعلم قال قاتلُك
﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء من بعد عاد﴾ أي خلفاءَ في الأرض أو خلفاءهم كما مر ﴿وبوأكم فِى الأرض﴾ ٦ أي جعلَ لكم مَباءةً ومنزلاً في أرض الحجر بين الحجاز والشام ﴿تتخذون من سهولها قصوراً﴾ استئنافٌ مبينٌ لكيفية التبوِئةِ أي تبننون في سهولها قصوراً رفيعةً أو تبنون من سهولة الأرض بما تعلمون منها من الرِهْص واللِبن والآجر ﴿وتنحتون الجبال﴾