الأعراف ٧٨ ٨٠
الوعد والوعيد
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ أي الزلزلةُ لكن لا أثر ما قالوا ما قالوا بل بعدَ مَا جَرى عليهم ما جرى من مبادىء العذابِ في الأيام الثلاثةِ حسبما مر تفصيلُه ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ﴾ أي صاروا في أرضهم وبلدِهم أو في مساكنهم ﴿جاثمين﴾ خادمي موتى لا حَراكَ بهم وأصلُ الجثومِ البروكُ يقال الناسُ جثومٌ أي قعود لا حَراك بهم ولا ينبِسون نبْسةً قال أبو عبيدة الجثومُ للناس والطير والبروكُ للإبل والمرادُ كونُهم كذلك عند ابتداءِ نزولِ العذابِ بهم من غير اضطرابٍ ولا حركة كما يكون عند الموت المعتاد ولا يَخْفى ما فيهِ من شدة الأخذِ وسرعةِ البطش اللهم إنا بك نعوذ من نزول سخطِك وحُلولِ غضبِك وجاثمين خبرٌ لأصبحوا والظرفُ متعلقٌ به ولا مساغ لكونه خبراً أو جاثمين حالاً لإفضائه إلى كون الإخبارِ بكونهم في دارهم مقصوداً بالذات وكونِهم جاثمين قيداً تابعاً له غيرَ مقصودٍ بالذات قيل حيث ذُكرت الرجفةُ وُحِّدت الدارُ وحيث ذُكرت الصيحةُ جمعت لأن الصيحةَ كانت من السماء فبلوغُها أكثرُ وأبلغُ من الزلزلة فقُرن كلٌّ منهما بما هو أليقُ به
﴿فتولى عنهم﴾ إثرَ ما شاهد ما جرى عليهم تولي مغتم متحسر على ما فاتَهُم من الإيمان متحزن عليهم ﴿وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم﴾ بالترغيب والترهيبِ وبذلتُ فيكم وُسْعي ولكن لم تقبلوا مني ذلك وصيغةُ المضارعِ في قوله تعالى ﴿ولكن لا تحبون الناصحين﴾ حكايةُ حالٍ ماضيةٍ أي شأنُكم الاستمرارُ على بغض الناصحين وعداوتهم خاطبهم ﷺ بذلك خطابَ رسولِ الله ﷺ أهلَ قلَيبِ بدرٍ حيث قال إنا وجدْنا ما وعدنا ربُّنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً وقيل إنما تولى عنهم قبل نزولِ العذاب بهم عند مشاهدته ﷺ لعلاماته تولى ذاهب عنهم منكر لإصرارهم على ما هم عليه وروي أن عَقرَهم الناقةَ كان يوم الأربِعَاءِ ونزل بهم العذابُ يوم السبت وروي أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخانَ ساطعاً فعلم أنهم قد هلَكوا وكانوا ألفاً وخمسَمائةِ دارٍ وروي أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارَهم
﴿ولوطاً﴾ منصوبٌ بفعل مضمر معطوف على ما سبق وعدمُ التعرُّضِ للمرسل إليهم مقدماً على المنصوب حسبما وقع فيما سبقَ وما لحقَ قد مر بيانُه في قصة هودٍ عليه السلام وهو لوطُ بنُ هارانَ بن تارخ بنُ أخي إبراهيمَ كان من أرض بابلَ من العراق مع عمه إبراهيمَ فهاجر إلى الشأمِ فنزلَ فلسطينَ وأنزل لوطاً الأردُنّ وهي كورةٌ بالشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سَدومَ وهي بلدٌ بحِمْصَ وقولُه تعالى ﴿إِذْ قَالَ لقومه﴾ ظرفٌ للمضمر المذكورِ أي أرسلنا لوطاً إلى قومه وقت قولِه لهم الخ ولعل تقييدَ إرسالِه عليه السلام بذلك لما أن إرسالَه إليهم لم يكمن في أول وصولِه إليهم وقيلَ هو بدلٌ من لوطاً بدلَ اشتمالٍ على أن انتصابَه باذكر أي اذكرْ وقتَ قولِه عليه السلام لقومه ﴿أتأتون الفاحشة﴾ بطريق الإنكارِ التوبيخيِّ التقريعيِّ أي أتفعلون تلك الفعلةَ المتناهيةَ في القبح المتماديةِ في