الأعراف آية ٨١ ٨٢
الشرية والسوء ﴿ما سبقكم بها﴾ ما عمِلها قبلكم على أن الباء للتعدية كما في قولِه عليه السلام سبقك بها عكاشة من قولك سبقته بالكرة أي ضربتها قبله ومِنْ في قولِه تعالَى ﴿من أحد﴾ مزيدةٌ لتأكيد النفي وإفادةِ معنى الاستغراقِ وفي قولِه تعالى ﴿مِن العالمين﴾ للتبعيض والجملةُ مستأنفةٌ مسوقة لتأكيدِ النكيرِ وتشديدِ التوبيخِ والتقريعِ فإن مباشرةَ القبيح واختراعَه أقبحُ ولقد أنكر الله تعالى عليهم أولاً إتيانَ الفاحشةِ ثم وبخهم بأنهم أولُ من عمِلها فإن سبكَ النظمِ الكريمِ وإنْ كانِ على نفي كونِهم مسبوقين من غير تعرّضٍ لكونهم سابقين لكن المرادَ أنهم سابقون لكل مَنْ عداهم من العالمين كما مرَّ تحقيقُه مراراً في نحوِ قولِه تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى على الله كذبا أو مسوقةٌ جواباً عن سؤال مقدَّرٍ كأنه قيل من جهتهم لم لا نأتيها فقيل بياناً للعلة وإظهاراً للزاجر ما سبقكم بها أحدٌ لغاية قُبْحِها وسوءِ سبيلها فكيف تفعلونها قال عمرو بن دينار ما نزَا ذكرٌ على ذكر حتى كان قومُ لوط قال محمد بن إسحق كانت لهم ثمارٌ وقُرى لم يكن في الدنيا مثلُها فقصدهم الناسُ فآذَوْهم فعرض لهم إبليسُ في صورة شيخ إن فعلتم بهم كذا وكذا نجَوْتم منهم فأبَوْا فلما ألحّ الناسُ عليهم قصدوهم فأصابوا غلمانا صبحا فأخبثوا فاستحكم فيهم ذلك قال الحسن كانُوا لا يفعلونَ ذلكَ إلا بالغرباء وقال الكلبي أول من فُعل به ذلك الفعلُ إبليسُ الخبيثُ حيث تمثل لهم في صورة شابٍ جميل فدعاهم إلى نفسه ثم عبثوا بذلك العمل
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال﴾ خبرٌ مستأنفٌ لبيان تلك الفاحشةِ وقرىء بهمزتين صريحتين وبتليين الثانيى ة بغير مدَ وبمد أيضاً على أنه تأكيدٌ للإنكار السابقِ وتشديدٍ للتوبيخ وفي زيادة إنّ واللامِ مزيدُ توبيخ وتقريع كأن ذلك أمرٌ لا يتحقق صدورُه عن أحد فيؤكد تأكيداً قوياً وفي إيراد لفظِ الرجالِ دون الغِلمان والمرادان ونحوِهما مبالغةً في التوبيخ وقوله تعالى ﴿شَهْوَةً﴾ مفعولٌ له أو مصدرٌ في موقعِ الحالِ وفي التقييد بها وصفهم بالبهيمة الصِّرْفة وتنبيهٌ عَلَى أنَّ العاقلَ ينبغي له أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلبُ الولد وبقاءُ النوعِ لإقضاء الشهوةِ ويجوز أن يكون المرادُ الإنكارَ عليهم وتقريعَهم على اشتهائهم تلك الفعلةَ الخبيثةَ المكروهة كما ينبىء عنه قوله تعالى ﴿مّن دُونِ النساء﴾ أي متجاوزينَ النساءَ اللاتي هُنَّ محلُّ الاشتهاء كما ينبىء عنه قوله تعالى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ إضرابٌ عن الإنكار المذكورِ إلى الإخبار بحالهم التي أفضَتْهم إلى ارتكاب أمثالِها وهي اعتيادُ الإسرافِ في كل شيءٍ أو عن الإنكار عليها إلى الذم على دميع معايبِهم أو عن محذوف أي لا عذرَ لكم فيه بل أنتم قومٌ عادتم الإسراف
﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ أي المستكبرين منهم المتولين للأمر والنهي المتصدِّين للعقد والحل وقوله تعالى ﴿إَّلا أَن قَالُواْ﴾ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأشياء أي ما كان جواباً من جهة قومِه شيءٌ من الأشياءِ إِلاَّ قولُهم أي لبعضهم الآخرين المباتشرين للأمور معرضين عن مخاطبته عليه السلام ﴿أَخْرِجُوهُم﴾ أي لوطان ومن معه من أهله المؤمنين ﴿مّن قَرْيَتِكُمْ﴾ أيْ إلاَّ هذا القولُ الذي يستحيلُ أنْ يكونَ جواباً لكلام


الصفحة التالية
Icon