الأعراف آية ٨٩
الذي أريد بيانُ تحققِه على كل حالٍ وذلك في مثال النفي عدمُ الإعطاءِ المستفادِ من الفعل المنفيِّ المذكور وأما فيما نحن فيه فهو نفسُ العودِ المستفادِ من الفعل المقجر إذ هو الذي يقتضيه الكلامُ السابقُ أعني قولَهم لتعودُن وأما الاستفهامُ فخارجٌ عنه واردٌ عليه لإبطال ما يفيده ونفي مال يقتضيه لا أنه من تمامه كما في صورة النفي وتوضيحُه أن بين النفيين فرقاً معنوياً تختلف به أحكامُهما التي من جملتها ما ذكر من اعتبار الأولوية في أحدهما بالنسبة إلى نفسه وفي الآخر بالنسبة إلى متعلَّقه ولذلك لا تستقيم إقامةُ أحدِهما مُقامَ الآخَر على وجه الكلية ألا يُرى أنك لو قلت مكانَ أنعود فيها الخ لا نعود فيها ولو كنا كارهين لاختلَّ المعنى اختلالاً فاحشاً لأن مدلولَ الأولِ نفيُ العَوْد المقيدِ بحال الكراهة ومدلولَ الثاني تقييدُ العودِ المنفيِّ بها وذلك لأن حرفَ النفي يباشر نفسَ الفعلِ وينفيه وما يُذكر بعده يرجِعُ إليه من حيث هو منفيٌّ وأما همزةُ الاستفهامِ فإنها تباشر الفعل بعد تقييده بما بعده لما أن دِلالتَها على الإنكار والنفي ليست بدلالة وضعيةٍ كدِلالة حرفِ النفي حتى يتعلقَ معناها بنفس الفعلِ الذي يليها ويكونَ ما بعده راجعاً إليه من حيث هو منفيٌّ بل هي دِلالةٌ عقليةٌ مستفادةٌ من سياق الكلامِ فلا بد أن يكون ما يُذكر بعج الفعلِ من موانعه ودواعي إنكارِه ونفيِه حتماً ليكون قرينةً صارفةً للهمزة عن حقيقتها إلى معنى الإنكارِ والنفي ثم لما كان المقصود نفي الحاكم على كل حال مع الاقتصاد على ذكر بعضٍ منها مغنٍ عن ذكر ما عجاها لاستلزام تحقّقِه معه تحققه مع غيره بطريق الأولوية وكانت حالُ الكراهةِ عند كونها قيداً لنفس العَوْدِ كذلك أي مغنياً عن ذكر سائرِ الأحوالِ ضرورة أن تحققَ العَوْدِ في حال الكراهة مكستلزم لتحققه في حال عدمِها البتةَ وعند كونِها قيداً لنفيخ بخلاف ذلك أي غيرُ مغنٍ عن ذكر غيرِها ضرورة أن نفيَ العودِ في حال الكراهةِ لا يستلزمُ نفيَه في غيرها بل الأمرُ بالعكس فإن نفيَه في حال الإرادةِ مستلزمٌ لنفيه في حال الكراهةِ قطعاً استقام الأول لإفادته نفي العودى ة في الحالتين مع الاقتصار على ما ذِكْر ما هو مغنٍ عن ذكر الأخرى ولم يستقم الثاني لعدم إفادتِه إيَّاهُ على الوجهِ المذكورِ إن قيل فما وجهُ استقامتِهما جميعاً عند ذكرِ المعطوفَيْن معاً حيث يصِحّ أن يقال لا نعودُ فيها لو لم نكن كارهيم كما يصح أن يقال أنعودُ فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين مع أن المقدّر في حكم الملفوظِ قلنا وجهُها أن كلاًّ منهما يفيد معنىً صحيحاً في نفسه لا أن معنى أحدِهما عينُ معنى الآخر أو متلازمان متفقانِ في جميع الأحكام كيف لا ومدلولُ الأولِ أن العودَ منتفٍ في الحالتين ومدلولُ الثاني مصحِّحٌ لنفي العَوْدِ في الحالتين منتفٍ وكلا المعنيين صحيحٌ في نفسه مصحِّحٌ لنفي العود فسي الحالتين مع ذكرهما معا غير أن الثاني مصحِّحٌ لنفي العَوْدِ في الحالتين مع الاقتصار على ذكر حالة الكراهة على عكس المعنى الأول فإنه مصحِّحٌ لنفيه فيهما مع الاقتصاد على ذكر حالةِ الإرادة
﴿قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا﴾