الأعراف آية ١٠١
﴿تِلْكَ القرى﴾ جملةٌ مستأنفةٌ جاريةٌ مجرى الفذلكةِ لما قبلها من القِصص منبئةٌ عن غاية غَوايةِ الأممِ المذكورة وتماديهم فيها بعد ما أنتهم الرسلُ بالمعجزات الباهرة وتلك إشارةٌ إلى قرى الأمم المُهلَكة على أن اللامَ للعهد وهو مبتدأٌ وقولُه تعالى ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا﴾ خبرُه وصيغة المضارع للإيذان بعدم انقضاءِ القصة بعد ومِنْ للتبعيض أي بعضُ أخبارها التي فيها عظةٌ وتذكيرٌ وقيل تلك مبتدأ والقرة خبرُه وما بعده حالٌ أو خبرٌ بعد خبر عند من يجوِّز كون الخبر الثاني جملةً كما في قوله تعالى فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى وتصديرُ الكلام بذكر القرى وإضافةُ الأنباء إليها مع أن المقصوصَ أنباءُ أهلِها والمقصودُ بيانُ أحوالهم حسبما يُعرب عنه قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ لما أن حكايةَ هلاكِهم بالمرة على وجه الاستئصالِ بحيث يشمل أماكنَهم أيضاً بالخسف بها والرجفةِ وبقائِها خاويةً معطلةً أهولُ وأفظعُ والباء في قوله تعالى بالبينات متعلقةٌ إما بالفعل المذكور على أنها للتعدية وإما بمحذوفٍ وقعَ حالاً من فاعله أي ملاتبسين بالبينات لكن لا بأن يأتيَ كلُّ رسولٍ ببينة واحدة بل بينات كثيرة خاصةٍ به معينةٍ له حسب اقتضاءِ الحِكمة فإن مراعاة انقسام الآحاد إلى الآحاد إنما هي فيما بين الرسل وضميرِ الأممِ والجملةُ مستأنفةٌ مبينةٌ لكمال عُتوِّهم وعنادِهم أي وبالله لقد جاء كلَّ أمةٍ مِنْ تلكَ الأممِ المُهلَكة رسولُهم الخاصُّ بهم بالمعجزات البيّنةِ المتكثرة المتواردةِ عليهم الواضحة الجلالة على صحة رسالتِه الموجبةِ للإيمان حتماً وقوله تعالى ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾ بيانٌ لاستمرار عدم إيمانهم في الزمان الماضي لا لعدم استمرارِ إيمانِهم وترتيبُ حالتِهم هذه على مجيء الرسلِ بالبينات بالفاء لما أن الاستمرارَ على فعل من الأفعال بعد ورود ما يوجب الإقلاعَ عنه وإن كان استمرارا عليه في الحقيقة لكنه بحسَب العنوان فعلٌ جديد وصنعٌ حادثٌ نحوُ وعظتُه فلم ينزجِرْ ودعوتُه فلم يُجب واللامُ لتأكيد النفي أي فما صح وما استقام لقوم من أولئك الأقوامِ في وقتٍ من الأوقاتِ أن يؤمنوا لكل كان ذلك ممتنعاً منهم إلى أنْ لَقوُا ما لقوُا لغاية عتوِّهم وشدةِ شكيمتِهم في الكفر والطغيانِ ثم إن كان المحكي عنهم آخرَ حالِ كلِّ قوم منهم فالمرادُ بعدم إيمانِهم المذكور ههنا إصرارُهم على ذلك بعد اللتيا والتي وبما أشير إليه بقوله تعالى ﴿بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾ تكذيبُهم من لدن مجيءِ الرسل إلى وقت الإصرارِ والعناد وإنما لم يُجعل ذلك مقصوداً بالذات كالأول بل جُعل صلةً للموصول إيذاناً بأنه بيِّنٌ بنفسه وإنما المحتاجُ إلى البيان عدمُ إيمانهم بعد تواتر البينات الظاهرة وتظاهر المعجزات الباهرة التي كانت تضطرهم إلى القَبول لو كانوا من أصحاب العقول والموصول الذي تعلق به الإيمان والتكذيب سلباً وإيجاباً عبارةٌ عن جميع الشرائعِ التي جاء بها كلُّ رسولٍ أصولِها وفروعِها وإن كان المحكيُّ جميع أحوال كل قوم منهم فالمراد بما ذكر أولاً كفرُهم المستمرُّ من حين مجيءِ الرسل الخ وبما أشير إليه آخرا تكذيبُهم قبل مجيئِهم فلا بد من جعل الموصولِ المذكور عبارة عن أصول الشرائعِ التي أجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم إليها آثر ذي أثير لاستحالة تبدلها وتغيرها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء رسلهم