أي بسبب صبرِهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعونَ وقومِه ﴿وَدَمَّرْنَا﴾ أي خرّبنا وأهلكنا ﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ من العِمارات والقصورِ أي ودمرنا الي كان فرعونُ يصنعه على أن فرعونَ اسمُ كان ويصنع خبرٌ مقدمٌ والجملة الكونيةُ صلةُ ما والعائدُ محذوفٌ وقيل اسمُ كان ضمير عائد إلى ما الموصولةِ ويصنع مُسندٌ إلى فرعون والجملة خبرُ كان والعائدُ محذوف أيضاً والتقدير ودمرنا الذي كان هو يصنعُه فرعونُ الخ وقيل كان كان زائدةٌ وما مصدريةٌ والتقديرُ ما يصنع فرعون الخ وقيل كان زائءدة كما ذكر وما موصولةٌ اسميةٌ والعائدُ محذوف تقديره ودمرنا الذي يصنعه فرعون الخ أي صُنعَه والعدولُ إلى صيغة المضارعِ على هذين القولين لاستحضار الصورة ﴿وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ﴾ من الجنات أو ما كانوا يرفعونه من البُنيان كصرح هامانَ وقرىء يعرُشون بضم الراءِ والكسرُ أفصح وهذا آخِرُ قصةِ فرعونَ وقومه وقوله عز وجل
﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحر﴾ شروعٌ في قصة بني إسرائيلَ وشرحِ ما أحدثوه من الأمور الشنيعةِ بعد أن أنقذهم الله عزَّ وجلَّ من مَلَكة فرعون ومنّ عليهم من النعم العظامِ الموجبةِ للشكر وأراهم من الآيات الكبارِ ما تخِرّ له شمُّ الجبال تسليةً لرسول الله ﷺ وإيقاظاً للمؤمنين حتى لا يغفُلوا عن محاسبة أنفسِهم ومراقبةِ أحوالِهم وجاوز بمعنى جاز وقرىء جوّزنا بالتشديد وهو أيضاً بمعنى جاز فعُدّي بالباء أي قطعنا بهم البحر روي أنه عبر بهم مُوسى عليه السَّلام يوم عاشوراءَ بعد ما أهلكَ الله تعالى فرعون فصاموه شكراً لله عز وجل ﴿فَاتُواْ﴾ أي مروا ﴿على قَوْمٍ﴾ قيل كانوا من لَخْمٍ وقيل من العمالقة الكنعانيين الذين أُمر موسى عليه السلام بقتالهم ﴿يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ أي يواظبون على عبادتها ويلازمونها وقرىء بكسر الكاف قال ابن جريج كانت أصنامُهم تماثيلَ بقرٍ وهو أولُ شأن العجل ﴿قَالُواْ﴾ عندما شاهدوا أحوالهم ﴿يا موسى اجعل لَّنَا إلها﴾ مثالاً نعبده ﴿كما لهم آلهة﴾ الكافُ متعلقةٌ بمحذوف وقع صفة لإلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير هذا إثرَ ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزةِ العُظمى فوصفهم بالجهل المطلقِ إذ لا جهل أعظمُ مما ظهر منهم وأكده بقوله
﴿إِنَّ هَؤُلآء﴾ يعني القومَ الذين يعبدون تلك التماثيلَ ﴿مُتَبَّرٌ﴾ أي مُدمّرٌ مكسَّرٌ ﴿مَّا هُمْ فِيهِ﴾ أي من الدين الباطلِ أي يُتبرّ الله تعالى ويهدِم دينَهم الذي هم عليه عن قريب ويحطّم أصنامَهم ويتكرها رُضاضاً وإنَّما جيء بالجملةِ الاسميةِ للدلالةِ على التحقق ﴿وباطل﴾ أي مضمحلٌّ بالكلية ﴿ما كانوا يعملون﴾ من عبادتها وإن كان قصدُهم بذلك التقربِ إلى الله تعالى فإنه كفرٌ محضٌ وليس هذا كما في قوله تعالى وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً كما تُوهم فإن المرادَ به أعمالُ البر التي عملوها في الجاهلية فإنها في أنفسها حسنات