الأعراف آية ١٥٠
ما رجع موسى عليه الصلاة والسلام إليهم كما ينطِق به الآياتُ الواردة في سورة طه لكن أريد بتقديمه عليه حكايةُ ما صدرَ عنهُم من القول والفعلِ في موضع واحد
﴿وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ﴾ شروعٌ في بيان ما جرى مِن موسى عليه السَّلام بعد رجوعِه من الميقات إثرَ بيانِ ما وقع من قومه بعده وقولُه تعالى ﴿غضبان أَسِفًا﴾ حالان مِن مُوسى عليه السَّلام أو الثاني من المستكنّ في غضبانَ والآسِفُ الشديدُ الغضبِ وقيل الحزين ﴿قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى﴾ أي بئسما فعلتم من بعد غَيْبتي حيث عبدتم العجلَ بعد ما رأيتم فعلي من توحيد الله تعالى ونفيِ الشركاءِ عنه وإخلاصِ العبادةِ له أو من حملكم على ذلك وكفِّكم عما طمَحَت نحوه أبصارُكم حيث قلتم اجعلْ لنا إلها كما لهم آلهةٌ ومن حق الهلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلِفِ فالخطابُ للعبَدَة من السامريِّ وأشياعِه أو بئسما قمتم مقامي ولم تراعوا عهدي حيث لم تكفوا العبَدَةَ عما فعلوا فالخطابُ لهرون وَمَنْ مَعَهُ من المؤمنينَ كما ينبىء عنه قوله تعالى قال يا هرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ أَن لا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى ويجوزُ أن يكونَ الخطابُ للكل على أن المرادَ بالخليفة ما يعم الأمرين المذكورين وما نكرةٌ موصوفةٌ مفسِّرةٌ لفاعل بئس المستكنِّ فيه والمخصوصُ بالذم مححذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونبها من بعدي خلافتُكم ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ﴾ أي تركتموه غيرَ تام على تضمين عجِلَ معنى سبَق يقال عجِل عن الأمر إذا تركه غيرَ تام أو أعجِلتم وعدَ ربِّكم الذي وعدجنيه من الأربعين وقدّرتم موتي وغيّرتم بعدي كما غيرت الأممُ بعد أنبيائِهم ﴿وَأَلْقَى الألواح﴾ طرحا من شدة الغضبِ وفرطِ الضجر حميةً للدين روي أن التوراةَ كانت سبعةَ أسباعٍ في سبعة ألواح فلما ألقاها انكسرت فرفعت ستةُ أسباعِها التي كان فيها تفصيلُ كلِّ شيءٍ وبقي سُبعٌ كان فيه المواعظ والأحكان ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ﴾ بشعر رأسِه عليهما السلام ﴿يَجُرُّهُ إليه﴾ حال من ضمير أخذ فعلَه عليه السلام توهما أنه قصّر في كفهم وهرون كان أكبرَ منه عليهما السلام بثلاث سنينَ وكان حَمولاً ولذلك كان أحبَّ إلى بني إسرائيل ﴿قَالَ﴾ أي هرون لما أن حقّ الأمِّ أعظمُ وأحقُّ بالمراعاة مع أنها كانت مؤمنةً وقد قاست فيه المخاوفَ والشدائد وقرىء بكسر الميم بإسقاط الياءِ تخفيفا كالمنادى المضاف إلى الياء وقراءةُ الفتح لزيادة التخفيف أو لتشبيهه بخمسةَ عشرَ ﴿إِنَّ القوم استضعفونى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى﴾ إزاحةً لتوهم التقصيرِ في حقه والمعنى بذلتُ جُهدي في كفهم حتى قهروني واستضعفوني وقاربوا قتلي ﴿فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الاعداء﴾ أي فلا تفعلْ بي ما يكون سبباً لشماتتهم بي ﴿وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ القوم الظالمين﴾ أي معدوداً في عدادهم بالمؤاخذة أو النسبة إلى التقصير وهَذا يؤيدُ كونَ الخطابِ للكل أولا تعتقد أني واحدٌ من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم