الأعراف آية ١٥٣ ١٥٥
﴿ثُمَّ تَابُواْ﴾ عن تلك السيئات ﴿مِن بَعْدِهَا﴾ أي من بعد عملها ﴿وآمنوا﴾ إيماناً صحيحاً خالصاً واشتغلوا بإقامة ما هو من مقتضياته من الأعمال الصالحةِ ولم يُصروا على ما فعلوا كالطائفة الأولى ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾ أي من بعد تلك التوبةِ المقرونةِ بالإيمان ﴿لَغَفُورٌ﴾ للذنوب إن عظُمت وكثُرت ﴿رَّحِيمٌ﴾ مبالِغٌ في إفاضةِ فنونِ الرحمةِ الدنيويةِ والأخروية والتعرّضُ لعنوانِ الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام للتشريف
﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب﴾ شروعٌ في بيان بقية الحكاية غثر ما بيّن تحزب القوم إلى مصر وتائب والإشارةِ إلى مآل كلَ منهما إجمالاً أي لما سكن عنه الغضبُ باعتذار أخيه وتوبةِ القوم وهذا صريحٌ في أنَّ ما حُكي عنهم من الندم وما يتفرّع عليه كان بعد مجىء موسى عليه الصلاة والسلام وفي هذا النظم الكريمِ من البلاغة والمبالغةِ بتنزيل الغضبِ الحاملِ له عَلَى ما صَدَرَ عنْهُ من الفعل والقول منزلةَ الآمرِ بذلك المُغري عليه بالتحكم والتشديد والتعبير عن شكوته بالسكوت ما لا يخفى وقرىء سَكَن وسكَت وأسكتَ على أن الفاعل هو الله تعالى أو أخوه أو التائبون ﴿أَخَذَ الالواح﴾ التي ألقاها ﴿وَفِى نُسْخَتِهَا﴾ أي فيما نُسخ فيها وكُتب فُعلة بمعنى مفعول كالخُطبة وقيل فيما نسخ منها أي من الألواح المنكسرة ﴿وهدى﴾ أي بيانٌ للحق ﴿وَرَحْمَةً﴾ للخلق بإرشادهم إلى ما فيه الخيرُ والصلاح ﴿لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ اللامُ الأولى متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لرحمة أي كائنةٌ لهم أو هي لامُ الأجَل أي هدى ورحمةٌ لأجلِهم والثانيةُ لتقوية عمل الفعلِ المؤخّر كما في قوله تعالى إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ أو هي أيضاً لامُ العلة والمفعولُ محذوفٌ أي يرهبون المعاصيَ لأجل ربهم لا للرياء والسمعة
﴿واختار موسى قَوْمَهُ﴾ شروعٌ في بيانِ كيفيةِ استدعاءِ التوبةِ وكيفية وقوعِها واختار يتعدّى إلى اثنين ثانيهما مجرورٌ بمن أي اختار من قومه بحذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ إلى المجرور كما قوله... اختارك الناسَ إذْ رثت خلائقهم واعتنل مَنْ كان يُرجَى عنده السُّولُ أي اختارك من الناس ﴿سَبْعِينَ رَجُلاً﴾ مفعولٌ لاختار أُخِّر عن الثاني لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ﴿لميقاتنا﴾ الذي وقتناه بعد ما وقع من قومه ما وقع لا لميقاتِ الكلام الذي ذكر