الأعراف آية ١٥٦
﴿واكتب لَنَا﴾ أي عيِّنْ لنا وقيل أوجِبْ وحقِّقْ وأثبتْ ﴿فِى هذه الدنيا حَسَنَةٌ﴾ أي نعمةً وعافيةً أو خَصلة حسنةً قال ابن عباس رضي الله عنهما اقبَلْ وِفادتَنا ورُدَّنا بالمغفرة والرحمة ﴿وَفِي الاخرة﴾ أي واكتبْ لنا فيها أيضاً حسنةً وهي المثوبةُ الحسنى والجنة ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي تُبْنا وأنبْنا إليك من هاد يهودُ إذا رجَع وقرىء بكسر الهاء من هاده يهيدُه إذا حرَّكه وأماله ويحتمل أن يكون مبنياً للفاعل أو للمفعول بمعنى أمَلْنا أنفسَنا أو أمِلْنا إليك وتجويزُ أن تكون القراءةُ المشهورةُ على بناء المفعول على لغة من يقول عودَ المريضُ مع كونها لغةً ضعيفةً مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل والجملةُ استئنافٌ مَسوقٌ لتعليل الدعاءِ فإن التوبة مما يوجي قبله بموجَب الوعدِ المحتوم وتصديرُها بحرف التحقيق لإظهار كمال النشاطِ والرغبةِ في التوبة والمعنى إنا تُبنا ورجَعْنا عما صنعنا من المعصية العظيمةِ التي جئناك للاعتذار عنها وعما وقع ههنا من طلب الرؤية فيعيد من لطفك وفضلك أن لا تقبلَ توبةُ التائبين قيل لما أخذتْهم الرجفةُ ماتوا جميعاً فأخذ موسى عليه الصلاة والسلام يتضرع إلى الله تعالى حتى أحياهم وقيل رجَفوا وكادت تَبينُ مفاصلُهم وأشرفوا على الهلاك فخاف موسى عليه الصلاة والسلام فبكى فكشفها الله تعالى عنهم ﴿قَالَ﴾ استئنافٌ وقع جوابا عن سؤال ينساقُ إليهِ الكلامُ كأنَّه قيلَ فماذَا قالَ الله تعالى عند دعاءِ مُوسى عليه السَّلامُ فقيل قال ﴿عَذَابِى أصيب به من أشاء﴾ لعله عز وجل حين جعل توبةَ عبدةِ العجلِ بقتلهم أنفسَهم ضمّن موسى عليه السلام دعاءَه التخفيفَ والتيسير حيث قال واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة أي خَصلةً حسنةً عاريةً عن المشقة والشدة فإن في قتل أنفسهم من العذاب والتشديد ما لا يخفى فأجاب تعالى بأن عذابي شأنُه أن أُصيبَ به من أشاء تعذيبَه من غير دخل لغيري فيه وهم ممن تناولَتْه مشيئتي ولذلك جُعلت توبتُهم مشوبةً بالعذاب الدنيوي ﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء﴾ أي شأنُها أن تسَعَ في الدنيا المؤمنَ والكافرَ بل كلَّ ما يدخل تحته الشيئية من المكلفين وغيرِهم وقد نال قومَك نصيبٌ منها في ضمن العذاب الدنيوي وفي نسبة الإصابة إلى العذاب بصيغة المضارعِ ونسبةِ السعةِ إلى الرحمة بصيغة الماضي إيذانٌ بأن الرحمةَ مقتضى الذاتِ وأما العذاب فبمقتضى العذاب معاصي العباد والمشيئةُ معتبرةٌ في جانب الرحمةِ أيضاً وعدمُ التصريحِ بها للإشعار بغاية الظهور ألا يُرى إلى قوله تعالى ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ أي أُثبتها وأعيِّنُها فإنه متفرعٌ على اعتبار المشيئةِ كأنه قيل فإذا كان الأمرُ كذلك أي كما ذكر من إصابة عذابي وسَعةِ رحمتي لكل من أشاء فسأكتبُها كَتْبةً كائنة كما دعوتَ بقولك واكتب لنا في هذه الخ أي شأكتبها خالصةً غيرَ مشوبةٍ بالعذاب الدنيوي ﴿لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أي الكفَر والمعاصي إما ابتداء أو بعد ملابستهما وفيه تعريض بقومه كأنه قيل لا لقومك لأنهم غير متقين فيكفيهم ما قدر لهم من الرحمة وإن كانت مقارنة للعذاب الدنيوي ﴿ويؤتون الزكاة﴾


الصفحة التالية
Icon