أي تنزّه عن الاستغفار له وتجانبَ كلَّ التجانب وفيه من المبالغة ما ليس في تركه ونظائرِه
﴿إِنَّ إبراهيم لاوَّاهٌ﴾ لكثيرُ التأوّهِ وهو كنايةٌ عن كمال الرأفةِ ورقةِ القلب
﴿حَلِيمٌ﴾ صبورٌ على الأذية والمحنة وهو استئنافٌ لبيان ما كان يدعُوه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى ما صدر عنه من الاستغفار وفيه إيذانٌ بأن إبراهيمَ عليه الصَّلاة والسَّلام كان أواهاً حليماً فلذلك صدَر عنه ما صدر من الاستغفار قبل التبينِ فليس لغيره أن يأتسيَ به في ذلك وتأكيدٌ لوجوب الاجتناب عنه بعد التبين بأنه عليه الصلاة والسلام تبرأ منه بعد التبينِ وهو في كمال رقةِ القلبِ والحلم فلا بد أن يكون غيرُه أكثرَ منه اجتناباً وتبرُّؤاً وأما أن الاستغفارَ قبل التبينِ لو كان غيرَ محظورٍ لما استُثنيَ من الائتساء به في قوله تعالى إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ فقد حُقق في سورة مريم بإذن الله تعالى
سورة براءة آية (١١٥ ١١٧)
﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً﴾ أي ليس من عادته أن يصفَهم بالضلال عن طريق الحق ويُجريَ عليهم أحكامَه
﴿بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ للإسلام
﴿حتى يُبَيّنَ لَهُم﴾ بالوحي صريحاً أو دِلالةً
﴿مَّا يَتَّقُونَ﴾ أي ما يجبُ اتقاؤُه من محظورات الدينِ فلا ينزجروا عما نُهوا عنه وأما قبل ذلك فلا يسمى ما صدَر عنهم ضلالاً ولا يؤاخَذون به فكأنه تسليةٌ للذين استغفروا للمشركين قبل ذلك وفيه دليلٌ على أنَّ الغافَل غيرُ مكلفٍ بما لا يستبدُّ بمعرفته العقلُ
﴿أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ﴾ تعليلٌ لما سبق أي أنه تعالى عليمٌ بجميعِ الأشياءِ التي مِنْ جملتها حاجتُهم إلى بيان قُبحِ ما لا يستقلُّ العقلُ في معرفته فيبيِّنُ لهم ذلك كما فعل هاهنا
﴿أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والارض﴾ من غير شريكٍ له فيه
﴿يحيي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ لمّا منعهم من الاستغفار للمشركين وإن كانوا أولي قربى وضمّن ذلك التبرُّؤَ منهم رأساً بيَّن لهم أن الله تعالى مالكُ كلِّ موجودٍ ومتولي أمورِه والغالبُ عليه ولا يتأتى لهم نصرٌ ولا ولايةٌ إلا منه تعالى ليتوجهوا إليه بشرا شرهم متبرِّئين عما سواه غيرَ قاصدين إلا إياه
﴿لَقَدْ تَابَ الله على النبى﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما هو العفوُ عن إذنه للمنافقين في التخلف عنه
﴿والمهاجرين والانصار﴾ قيل هو في حق زلاتٍ سبقت منهم يوم أحُدٍ ويوم حُنينٍ وقيل المرادُ بيانُ فضلِ التوبةِ وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاجٌ إليها حتى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لِما صدرَ عنه في بعض الأحوالِ من ترك الأَوْلى
﴿الذين اتبعوه﴾ ولم يتخلفوا عنه ولم يُخِلّوا بأمر من أوامره
﴿فِى سَاعَةِ العسرة﴾ أي في وقتها والتعبيرُ عنه بالساعة لزيادة تعيينِه وهي حالُهم في غزوة تبوكَ كانوا في عُسرةٍ من الظَّهر يعتقِبُ عشرةٌ على بعير واحد ومن الزاد تزوّدوا


الصفحة التالية
Icon