عنها من الأحوال المعدودةِ وتكريرُ الموصولِ للتوسل به إلى جعل صلتِه جملةً اسميةً منبئةً عمَّا هُم عليهِ من استمرار الغفلةِ ودوامِها وتنزيلُ التغايرِ الوصفيِّ منزلةَ التغايرِ الذاتي إيذاناً بمغايرة الوصفِ الأخير للأوصاف الأُوَل واستقلالِه باستتباع العذابِ هذا وأمَّا مَا قيلَ من أن العطفَ إما لتغاير الوصفين والتنبيهِ على أن الوعيدَ على الجمع بين الذهولِ عن الآيات رأساً والانهماكِ في الشهوات بحيث لا يخطُر ببالهم الآخرةُ أصلاً وإما لتغاير الفريقين والمرادُ بالأولين من أنكر البعثَ وَلَمْ يُرد إِلاَّ الحياةَ الدنيا وبالآخِرين مَنْ ألهاه حبُّ العاجل عن التأمل في الآجل فكلامٌ ناءٍ عن السداد فتأمل
سورة يونس (٨ ٩)
﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر من صفات السوء
﴿مَأْوَاهُمُ﴾ أي مسكنُهم ومقرُّهم الذي لا بَراحَ لهم منه
﴿النار﴾ لا ما اطمأنوا بها من الحياة الدنيا ونعيمُها
﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ منَ الأعمال القلبية المعدودة وما يستتبعه من أصناف المعاصي والسيئاتِ أو بكسبهم إياها والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار التجددي والباء متعلقةٌ بمضمون الجملةِ الأخيرةِ الواقعةِ خبراً عن اسم الإشارةِ وهو مع خبره خبر لإن في قوله تعالى إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا الخ
﴿إن الذين آمنوا﴾ أي فعلوا الإيمانَ أو آمنوا بما يشهَد به الآياتُ التي غفَل عنها الغافلون أو بكلِّ ما يجبُ أن يؤمن به فيندرجُ فيه ذلك اندراجاً أولياً
﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي الأعمالَ الصالحةَ في أنفسها اللائقةَ بالإيمان وإنما تُرك ذكرُ الموصوف لجريانها مَجرى الأسماءِ
﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ﴾ أُوثر الالتفاتُ تشريفاً لهم بإضافة الربِّ وإشعاراً بعلة الهِداية
﴿بِإِيمَانِهِمْ﴾ أي يهديهم بسبب إيمانِهم إلى مأواهم ومقصِدِهم وهي الجنةُ وإنما لم تُذكر تعويلاً على ظهورها وانسياقِ النفسِ إليها لا سيما بملاحظة ما سبق من بيان مأوى الكفَرة وما آواهم إليه من أعمالهم السيئةِ ومشاهدةِ ما لحق من التلويح والتصريحِ وفي النظم الكريم إشعارٌ بأن مجردَ الإيمانِ والعملِ الصالحِ لا يكفي في الوصول إلى الجنةَ بل لا بد بعد ذلك من الهداية الربانية وأن الكفرَ والمعاصيَ كافيةٌ في دخول النارِ ثم إنه لا نزاعَ في أن المرادَ بالإيمان الذي جعل سبباً لتلك الهداية هو إيمانُهم الخاصُّ المشفوعُ بالأعمال الصالحةِ لا الإيمانُ المجردُ عنها ولا ما هو أعمُّ منهما إلا أن ذلك بمعزل عن الدلالة على خلاف ما عليه أهلُ السنةِ والجماعة من أن الإيمانَ الخاليَ عن العمل الصالحِ يُفضي إلى الجنة في الجملة ولا يخلّد صاحبُه في النار فإن منطوقَ الآيةِ الكريمةِ أن الإيمانَ المقرونَ بالعمل الصالحِ سببٌ للهداية إلى الجنة وأما أن كلَّ ما هو سببٌ لها يجب أن يكون كذلك فلا دلالةَ لها ولا لغيرها عليه قطعاً كيف لا وقوله عز وجل الذين آمنوا وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الامن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ منادٍ بخلافه فإن المرادَ بالظلم هو الشركُ كما أطبق عليه المفسرون والمعنى لم يخلِطوا إيمانَهم بشرك ولئن حُمل على ظاهره أيضاً يدخُل في الاهتداء من آمن ولم يعمل صالحاً ثم مات قبل أن يظلم