قيل وللذين كسبوا السيئاتِ جزاء بسيئة مثلها كقولك في الدار زيدٌ والحجرةِ عمروٌ وفيه دلالةٌ على أن المرادَ بالزيادة الفضلُ
﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ وأيُّ ذلةٍ كما ينبىء عنه التنوينُ التفخيميُّ وفي إسناد الرَهق إلى أنفسهم دون وجوهِهم إيذانٌ بأنها محيطةٌ بهم غاشيةٌ لهم جميعاً وقرىء يرهَقهم بالياء التحتانية
﴿مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي لا يعصِمُهم أحدٌ من سُخطه وعذابِه تعالى أو ما لهم من عنده تعالى مَن يعصمهم كما يكون للمؤمنين وفي نفي العاصمِ من المبالغة في نفي العصمةِ ما لا يخفى والجملةُ مستأنفةٌ أو حالٌ من ضمير ترهقهم
﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَت وُجُوههم قطعاً مِنَ اللَّيْلِ﴾ لفرط سوادِها وظلمتِها
﴿مُظْلِماً﴾ حالٌ من الليل والعاملُ فيه أغشيت لأنه العاملُ في قِطَعاً وهو موصوفٌ بالجار والمجرور والعاملُ في الموصوف عاملٌ في الصفة أو معنى الفعلِ في مِنَ الليل وقرىء قِطْعاً بسكون الطاء وهو طائفة من الليل قال... افتحي الباب وانظُري في النجوم... كم علينا من قِطْع ليلٍ بهيم... فيجوزُ كونُ مظلماً صفةً له أو حالاً منه وقرىء كأنما يغشى وجوهَهم قِطعٌ من الليل مظلمٌ والجملةُ كما قبلها مستأنفةٌ أو حالٌ من ضمير ترهقهم
﴿أولئك﴾ أي الموصوفون بما ذكر من الصفات الذميمة
﴿أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ وحيث كانت الآيةُ الكريمةُ في حق الكفارِ بشهادة السياقِ والسباقِ لم يكن فيها تمسك للوعيدية
سورة يونس (٢٨)
﴿ويوم نحشرهم﴾ كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيانِ بعضٍ آخرَ من أحوالهم الفظيعةِ وتأخيرُه في الذكر مع تقدمه في الوجود على بعض أحوالِهم المحكيةِ سابقاً للإيذان باستقلال كلَ من السابق واللاحقِ بالاعتبار ولو روعيَ الترتيبُ الخارجيُّ لعُدَّ الكلُّ شيئاً واحداً كما مرَّ في قصَّةِ البقرة ولذلك فصل عما قبله ويومَ منصوبٌ على المفعوليةِ بمضمرِ أي أنذرْهم أو ذكرْهم وضمير نحشُرهم لكلا الفريقين الذي أحسنوا والذين كسبوا السيئاتِ لأنه المتبادرُ من قوله تعالى
﴿جَمِيعاً﴾ ومن أفراد الفريقِ الثاني بالذكر في قوله تعالى
﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ أي نقول للمشركين من بينهم ولأن توبيخهم وتهديدهم على رءوس الأشهادِ أفظعُ والإخبارُ بحشر الكلِّ في تهويل اليومِ أدخل وتخصيصُ وصفِ إشراكهم بالذكر في حيز الصلةِ من بين سائر ما اكتسبوه من السيئات لابتناء التوبيخِ والتقريعِ عليه مع ما فيه من الإيذان بكونه معظمَ جناياتِهم وعمدةَ سيئاتِهم وقيل للفريق الثاني خاصةً فيكون وضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ لما ذكر آنفاً
﴿مَكَانَكُمْ﴾ نُصب على أنه في الأصلِ ظرفٌ لفعل أقيم مُقامه لا على أنه اسمُ فعل وحركتُه حركةُ بناءٍ كما هو رأيُ الفارسي أي الزَموه حتى تنظُروا ما يفعل بكم
﴿أَنتُمْ﴾ تأكيدٌ للضمير المنتقل إليه من عامله لسده مسدَّه
﴿وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾ عطفٌ عليه وقُرىء بالنَّصبِ على أنَّ الواو بمعنى مع
﴿فزيلنا﴾ من زلت الشىء عن مكانه أُزيِّله أي أزلتُه والتضعيف للتكثير لا للتعدية وقرىء فزايلنا بمعناه نحو كلّمتُه وكالمته وهو معطوفٌ على نقول وإيثارُ صيغةِ الماضِي للدَلالة على التحققِ الموروث لزيادة التوبيخِ والتحسيرِ والفاءُ للدِلالة على وقوع التزييل ومباديه عقيبَ الخطابِ من غير مُهلةٍ إيذاناً


الصفحة التالية
Icon