سورة يونس (٣٧) يقارنه وبالقصر ما أشيرَ إليهِ من أن لا يكونَ لهم في أثنائه اتباعٌ لفرد من أفراد العلمِ والتفاتٌ إليه ووجهُ تخصيصِ هذا الاتباعِ بأكثرهم الإشعارُ بأن بعضَهم قد يتبعون العلم فيقفون على حقية التوحيد وبطلان الشرك لكن لا يقبلونه مكابرةً وعناداً فيحصل بالنسبة إليهم التأثرُ من البرهان المزبورِ وإن لم يُظهروه وكونُهم أشدَّ كفرا وأكثر من الفريق الأولِ لا يقدح فيما يُفهم من فحوى الكلامِ عُرفاً من كون أولئك أسوأَ حالاً من غيرهم إذ المعتبرُ سوءُ الحالِ من حيث الفهمُ والإدراكُ لا من حيث الكفرُ والعذابُ أو ما يتبع أكثرُهم مدةَ عمرِهم إلا ظناً ولا يتركونه أبداً فإن حرفَ النفي الداخلِ على المضارع يُفيد استمرارَ النَّفي بحسبِ المقامِ فالمرادُ بالاتباع حينئذٍ هو الإذعانُ والانقيادُ والقصرُ باعتبار الزمان ووجهُ تخصيصِ هذا الاتباعِ بأكثرهم مع مشاركة المعاندين لهم في ذلك التلويحُ بما سيكون من بعضهم من اتباع الحقِّ والتوبةِ كما سيأتي هذا وقد قيل المعنى وما يتبع أكثرُهم في إقرارهم بالله تعالى إلا ظناً غيرَ مستندٍ إلى برهان عندهم وقيل وما يتبع أكثرُهم في قولهم للأصنام إنها آلهةٌ إلا ظناً والمرادُ بالأكثر الجميعُ فتأمل وقيل الضميرُ في أكثرهم للناس فلا حاجةَ إلى التكليف
﴿إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق﴾ من العلم اليقينيِّ والاعتقادِ الصحيحِ المطابقِ للواقع
﴿شَيْئاً﴾ من الإغناء ويجوزُ أن يكونَ مفعولاً به ومن الحق حالاً منه والجملةُ استئنافٌ ببيان شأنِ الظنِّ وبُطلانِه وفيه دِلالةٌ على وجوب العلمِ في الأصول وعدمِ جوازِ الاكتفاءِ بالتقليد
﴿إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ وعيدٌ لهم على أفعالهم القبيحةِ فيندرج تحتها ما حُكي عنهم من الإعراض عن البراهين القاطعةِ والاتباعِ للظنون الفاسدةِ اندراجا أوليا وقرئ تفعلون بالالتفات إلى الخطاب لتشديد الوعيد
﴿وما كان هذا القرآن﴾ شروعٌ في بيان ردِّهم للقرآن الكريم إثرَ بيانِ ردهم للأدلة العقليةِ المندرجةِ في تضاعيفه أي وما صحَّ وما استقام أن يكون هذا القرآنُ المشحونُ بفنون الهداياتِ المستوجبةِ للاتّباع التي من جملتها هاتيك الحججُ البينةُ الناطقةُ بحقِّيةِ التوحيدِ وبُطلان الشرك
﴿أَنٍ يُفْتَرَى مِن دُونِ الله﴾ أي افتراءً من الخلق أي مفترىً منهم سُمّي بالمصدر مبالغة
﴿ولكن تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتبِ الإلهية المشهودِ على صدقها أي مصدّقاً لها كيف لا وهو لكونه معجزاً دونها عيارٌ عليها شاهدٌ بصحتها ونصبُه بأنه خبرُ كان مقدراً وقد جوّز كونُه علةً لفعل محذوفٍ تقديرُه لكن أنزله الله تصديق الخ وقرئ بالرفع على تقدير المبتدإ أي ولكن هو تصديقُ الخ
﴿وَتَفْصِيلَ الكتاب﴾ عطفٌ عليه نصباً ورفعاً أي وتفصيلَ ما كُتب وأثبت من الحقائق والشرائع
﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ خبرٌ ثالثٌ داخلٌ في حكم الاستدراكِ أي منتفياً عنه الريبُ أو حالٌ من الكتاب وإن كان مضافاً إليه فإنه مفعولٌ في المعنى أو استئنافٌ لا محلَّ له من الإعراب
﴿مِن رَّبّ العالمين﴾ خبرٌ آخرُ أي كائناً من رب العالمين أو متعلقٌ بتصديق أو بتفصيل أو بالفعل المعلل بهما ولا ريب فيه اعتراضٌ كما في قولك زيدٌ لا شك فيه كريمٌ أو حالٌ من الكتابِ أو من الضميرِ في


الصفحة التالية
Icon