سورة يونس (٣٨ ٣٩) فيه ومساقُ الآية الكريمةِ بعد المنعِ عن اتباع الظنِّ لبيان ما يجب اتباعُه
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ أي بل أيقولون افتراه محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلم والهمزةُ لإنكار الواقِع واستبعادِه
﴿قُلْ﴾ تبكيتا لهم وإظهارا لبطلان مقالتِهم الفاسدةِ إنْ كانَ الأمرُ كَما تقولون
﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ﴾ أي في البلاغة وحسنِ الصياغةِ وقوةِ المعنى على وجه الافتراءِ فإنكم مثلي في العربية والفصاحةِ وأشدُّ تمرناً منى فى فى النظم والعبارة وقرئ بسورةِ مثلِه على الإضافة أي بسورة كتابٍ مثلِه
﴿وادعوا﴾ للمظاهرة والمعاونة
﴿مَنِ استطعتم﴾ دعاءَه والاستعانةَ به من آلهتكم التي تزعُمون أنها مُمِدّةٌ لكم في المُهمات والمُلماتِ ومدارِهِكم الذين تلجئون إلى آرائهم في كل ما تأتون وما تذرون
﴿من دون الله﴾ متعلق بادعوا ودون جارٍ مجرى أداةِ الاستثناءِ وقد مر تفصيله في قوله تعالى وادعوا شُهَدَاءكُم مِن دُونِ الله أي ادعُوا سواه تعالى من استطعتم من خلقه فإنه لا يقدِر عليه أحدٌ وإخراجه سبحانه من حكم الدعاءِ للتنصيص على براءتهم منه تعالى وكونِهم في عُدوة المضادة والمُشاقّة لا لبيان استباده تعالى بالقدرة على ما كُلِّفوه فإن ذلك مما يوهم أنهم لو دَعَوْه تعالى لأجابهم إليه
﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ أي في أني افتريته فإن ذلك مستلزمٌ لإمكان الاتيانِ بمثله وهو أيضاً مستلزِمٌ لقدرتكم عليه والجوابُ محذوفٌ لدِلالة المذكورِ عليه
﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ﴾ إضرابٌ وانتقالٌ عن إظهار بطلانِ ما قالُوا في حقِّ القُرآنِ العظيمِ بالتحدِّي إلى إظهاره ببيانِ أنه كلامٌ ناشيءٌ عن جهلهم بشأنه الجليلِ فما عبارةٌ عن كله لا عما فيه من ذكر البعث والجزاءِ وما يخالف دينَهم كما قيل فإنَّه ممَّا يجب تنزيهُ ساحةِ التنزيلِ عن مثله أي سارعوا إلى تكذيبه آثِرَ ذي أثيرٍ من غير أن يتدبروا فيه ويقِفوا على ما في تضاعيفِه من الشواهد الدالةِ على كونه كما وُصف آنفاً ويعلموا أنه ليس مما يمكنُ أن يكونَ له نظيرٌ يقدر عليه المخلوقُ والتعبيرُ عنه بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ دون أن يقال بل كذبوا به من غير أن يحيطوا بعلمه أو نحو ذلك للإيذان بكمال جهلِهم به وأنهم لم يعلموه إلا بعنوان عدمِ العلمِ به وبأن تكذيبَهم به إنما هو بسبب عدم علمِهم به لما أن إدارةَ الحكم على الموصول مشعرةٌ بعلية مَا في حيزِ الصلةِ له ﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ عطف على الصلة أو حالٌ من الموصولِ أي ولم يقِفوا بعدُ على تأويله ولم يبلُغ أذهانَهم معانيه الرائقةُ المنبئةُ عن علو شأنِه والتعبيرُ عن ذلك بإتيان التأويل للإشعار بأن تأويلَه متوجّهٌ إلى الأذهان منساقٌ إليها بنفسه أو لم يأتِهم بعدُ تأويلُ ما فيه من الإخبار بالغيوب حتى يتبين أنه صدقٌ أم كذبٌ والمعنى أن القرآنَ معجزٌ من جهة النظمِ والمعنى ومن جهة الإخبار بالغيب وهم قد فاجئوا تكذيبَه قبل أن يتدبروا نظمَه ويتفكروا في معناه