سورة يونس (٥٨ ٥٩)
﴿قُلْ﴾ تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى رسول الله ﷺ ليأمرَ الناسَ بأن يغتنموا ما في القرآن العظيم من الفضل والرحمة
﴿بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ﴾ المرادُ بهما إما ما في مجيء القرآنِ من الفضل والرحمةِ وإما الجنسُ وهما داخلان فيه دخولاً أولياً والباء متعلقةٌ بمحذوف وأصلُ الكلام ليفرَحوا بفضل الله وبرحمته وتكرير الباء فى رحمته للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرحِ ثم قُدّم الجارُّ والمجرورُ على الفعلِ لإفادةِ القصرِ ثم أُدخل عليه الفاد لإفادة معنى السببيةِ فصار بفضل الله وبرحمته فليفرَحوا ثم قيل
﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ للتأكيد والتقريرِ ثم حُذف الفعلُ الأولُ لدِلالة الثاني عليهِ والفاءُ الأولى جزائيةٌ والثانية لدلالة على السببية والأصلُ إن فرِحوا بشيء فبذلك ليفرحوا لا بشيء آخرَ ثم أدخل الفاء لدلالة على السببية ثم حذف الشرطُ ومعنى البُعد في اسم الإشارةِ لدلالة على بُعد درجةِ فضلِ الله تعالَى ورحمتِه ويجوز أن يراد بفضل الله وبرحمته فلْيعتنوا فبذلك فليفرحوا ويجوز أن يتعلق الباءُ بجاءتكم أي جاءتكم موعظةٌ بفضل الله وبرحمته فبذلك أي فبمجيئها فليفرَحوا وقرىء فلتفرحوا وقرأ أُبيّ فافرَحوا وعن ابن كعب أن رسولَ الله ﷺ تلا قل بفضلِ الله وبرحمتِهِ فقالَ بكتاب الله والإسلامِ وقيل فضلُه الإسلامُ ورحمتُه ما وعَد عليه
﴿هُوَ﴾ أي ما ذكر من فضل الله ورحمته
﴿خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ من حُطام الدنيا وقرىء تجمعون أي فبذلك فليفرَحِ المؤمنون هو خير مما تجمعون أيها المخاطبون
﴿قل أرأيتم﴾ أي أخبروني
﴿مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ﴾ ما منصوبةُ المحلِّ بما بعدها أو بما قبلها واللامُ للدِلالة على أن المرادَ بالرزق ما حل لهم وجعلُه منزلاً لأنه مقدّرٌ في السماء محصّلٌ هو أو ما يتوقف عليه وجوداً أو بقاءً بأسباب سماويةٍ من المطر والكواكبِ في الإنضاج والتلوين
﴿فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ﴾ أي جعلتم بعضَه
﴿حَرَامًا﴾ أي حكمتم بأنه حرامٌ
﴿وَحَلاَلاً﴾ أي وجعلتم بعضَه حلالاً أي حكمتم بحِلّه مع كون كلِّه حلالاً وذلك قولُهم هذه أنعام وَحَرْثٌ حِجْرٌ الآية وقولهم مَا فِى بُطُونِ هذه الانعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا ونحوُ ذلك وتقديمُ الحرامِ لظهور أثرَ الجعلِ فيه ودورانِ التوبيخِ عليه
﴿قُلْ﴾ تكريرٌ لتأكيد الأمرِ بالاستخبار أي أخبروني
﴿الله أَذِنَ لَكُمْ﴾ في ذلك الجعلِ فأنتم فيه ممتثلون بأمره تعالى
﴿أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ﴾ أم متصلةٌ والاستفهامُ للتقرير والتبكيتِ لتحقق العلمِ بالشق الأخيرِ قطعاً كأنه قيل أم لم يأذنْ لكم بل تفترون عليه سبحانه فأظهر الاسمَ الجليلَ وقدّم على الفعل دِلالةً على كمال قبحِ افترائِهم وتأكيداً للتبكيت إثرَ تأكيدٍ مع مراعة الفواصلِ ويجوز أن يكون الاستفهامُ للإنكار وأمْ منقطعةً ومعنى بل فيها الإضرابُ والانتقال من التوبيخ والزجرِ بإنكار الرذن إلى ما تفيده همزتُها من التوبيخ على الافتراء عليه سبحانه وتقريرِه وتقديمُ الجارِّ والمجرور على هَذا يجوزُ أنْ يكونَ للقصر كأنه قيل بل أعلى الله تعالى خاصة تفترون