سورة يونس (٧١)
﴿واتل عَلَيْهِمْ﴾ أي على المشركين من أهل مكةَ وغيرِهم لتحقيق ما سبق من أنهم لا يفلحون وأن ما يتمتعون به على جناح الفواتِ وأنهم مشرِفون على العذاب الخالد
﴿نَبَأَ نُوحٍ﴾ أي خبره الذي له شأنٌ وخطَرٌ مع قومه الذين هم أضرابُ قومِك في الكفر والعنادِ ليتدبروا ما فيه من زوال ما تمتعوا به من النعيم وحلولِ عذابِ الغرق الموصولِ بالعذاب المقيمِ لينزجروا بذلك عمَّا هُم عليهِ من الكفر أو تنكسر شدةُ شكيمتهم أو يعترف بعضُهم بصحة نبوتك بأن عرفوا أن ما تتلوه موافقا لما ثبت عندهم من غير مخالفةٍ بينهما أصلاً مع علمهم بأنك لم تسمَعْ ذلك من أحد ليس إلا بطريقِ الوحي وفيه من تقرير ما سبق من كون الكلِّ لله سبحانه واختصاصِ العزةِ به تعالى وانتفاءِ الخوفِ والحزن عن أوليائه عز وعلا قاطبةً وتشجيعِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وحملِه على عدم المبالاة بهم وبأقوالهم وأفعالهم ما لا يخفى
﴿إِذْ قَالَ﴾ معمولٌ لنبأَ أو بدلٌ منه بدل اشتمال وأياما كان فالمرادُ بعضُ نَبئِه ﷺ لا كلُّ ما جرى بينَه وبينَ قومِه واللامُ في قوله تعالى
﴿لِقَوْمِهِ﴾ للتبليغ
﴿يا قوم إِن كَانَ كَبُرَ﴾ أي عظمُ وشقّ
﴿عَلَيْكُمْ مَّقَامِى﴾ أي نفسي كما يقال فعلتُه لمكان فلان أي لفلان ومنه قولِه تعالَى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ أي خاف ربَّه أو قيامي ومُكثي بين ظَهْرانيكم مدةً طويلة أو قيامي
﴿وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ الله﴾ فإنهم كانوا إذا وعَظوا الجماعةَ يقومون على أرجلهم والجماعةُ قعودٌ ليظهر حالُهم ويُسمع مقالُهم
﴿فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ﴾ جواب الشرط أي دمت على تخصيص التوكلِ به تعالى ويجوزُ أن يرادَ بهِ إحداثُ مرتبةٍ مخصوصةٍ من مراتبِ التوكل
﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ﴾ عطفٌ على الجواب والفاءُ لترتيب الأمرِ بالإجماع على التوكل لا لترتيب نفسِ الإجماعِ عليه أو هو الجوابُ وما سبق جملةٌ معترضةٌ والإجماعُ العزم قيل هو متعدَ بنفسه وقيل فيه حذفٌ وإيصال قال السدوسي أجمعتُ الأمرَ أفصحُ من أجمعت عليه وقال أبو الهيثم أجمع أمرَه جعله مجموعاً بعد ما كان متفرقاً وتفرُّقُه أنه يقول مرة أفعلُ كذا وأخرى أفعل كذا وإذا عزم على أمر واحدٍ فقد جمعه أي جعله جميعاً
﴿وَشُرَكَاءكُمْ﴾ بالنصب على أن الواو بمعنى مع كما تدل عليه القراءةُ بالرفع عطفاً على الضمير المتصل تنزيلاً للفصل منزلةَ التأكيدِ وإسنادُ الإجماعِ إلى الشركاء على طريقة التهكم وقيل إنه عطفٌ على أمرَكم بحذف المضافِ أي أمرَ شركائهم وقيل منصوبٌ بفعل محذوفٍ أي وادعوا شركاءَكم وقد قُرِىءَ كذلكَ وقُرِىءَ فاجْمعوا من الجمع أي فاعزِموا على أمركم الذى تريدون بي من السعي في إهلاكي واحتشِدوا فيه على أي وجه يمكنكم
﴿ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ﴾ ذلك
﴿عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ أي مستوراً من غمّه إذا ستره بل مكشوفاً مشهوراً تجاهرونني به فإن السرَّ إنما يُصار إليه لسد باب تدارُك الخلاصِ بالهرب أو نحوه فحيث استحال ذلك في حقي لم يكن للسروجه وإنما خاطبهم ﷺ بذلك إظهاراً لعدم المبالاةِ بهم وأنهم لم يجدوا إليه سبيلاً وثقةً بالله سبحانه وبما وعده من عصمته وكَلاءتِه فكلمةُ ثمّ للتراخى فى


الصفحة التالية
Icon