سورة يونس (٩١) أي باغين وعادين أو للبغى والعدوان وقرئ وعدواً وذلك أن موسى عليه السلام خرج ببني إسرائيلَ على حِينِ غفلةٍ مّنْ فرعون فلما سمع به تبِعهم حتى لحِقهم ووصل إلى الساحل وهم قد خرجوا من البحر ومسلُكهم باق على حاله يبَساً فسلكه بجنوده أجمعين فلما دخل آخرُهم وهم أولُهم بالخروج غشِيهم مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ
﴿حتى إِذَا أَدْرَكَهُ الغرق﴾ أي لحقه وألجمه
﴿قال آمنت أَنَّهُ﴾ أي بأنه والضميرُ للشأن وقرئ أنه على الاستئناف بدلاً من آمنت وتفسير له
﴿لا إله إِلاَّ الذي آمنت به بنو إسرائيل﴾ لم يقل كما قاله السحرةُ آمنا بربّ العالمين رب موسى وهرون بل عبر عنه تعالى بالموصول وجعل صلتُه إيمانَ بني إسرائيل به تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعاً في القبَول والانتظامِ معهم في سلك النجاة
﴿وَأَنَاْ مِنَ المسلمين﴾ أي الذين أسلموا نفوسَهم لله أى جعلوها سالمة خاصة له تعالى وأراد بهم إما بني إسرائيلَ خاصةً وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أولياء والجملةُ على الأولِ عطفٌ على آمنت وإيثار الاسميةِ لا دعاء الدوامِ والاستمرارِ وعلى الثَّاني يحتملُ الحاليةَ أيضاً من ضمير المتكلمِ أي آمنتُ مخلصاً لله منتظماً في سلك الراسخين فيه ولقد كُرّر المعنى الواحد بثلاث عباراتٍ حرصاً على القبول المفضي إلى النجاة وهيهاتَ هيهاتَ بعد ما فات ما فات وأتى ما هو آت وقوله عز وجل
٨ - ﴿الآن﴾ مقولٌ لقولٍ مقدرٍ معطوفٍ على قال أي فقيل آلآن وهو إلى قوله تعالى آية حكايةٌ لما جرى منه سبحانه من الغضب على المخذول ومقابلة ما أظهره بالرد على وجه الإنكارِ التوبيخيَّ على تأخيره وتقريعِه بالعصيان والإفساد وغير ذلك وفي حذف الفعل المذكورِ وإبرازِ الخبرِ المحكيِّ في صورة الإنشاءِ من الدِلالة على عظم السخطِ وشدةِ الغضب مالا يخفى كما يُفصح عنه ما روي من أن جبريل دس فاه عند ذلك يحال البحر وسده به فإنه تأكيد الرد القوليّ بالرد الفعليِّ ولا ينافيه تعليلُه بمخافة إدراكِ الرحمةِ فيما نقل أنه قال للنبي ﷺ فلو رأيتَني يا محمدُ وأنا آخذٌ من حال البحرِ فأدُسّه في فيه مخافةَ أن تدركه الرحمةُ إذ المرادُ بها الرحمةُ الدنيويةُ أي النجاة التي هي طِلْبةُ المخذولِ وليس من ضرورة إدراكِها صحةُ الإيمان كما في إيمان قوم يونس عليه السلام حتى يلزم من كراهته مالا يتصور في شأن جبريلُ عليهِ السَّلامُ من الرضا بالكفر إذْ لا استحالةَ في ترتب هذه الرحمةِ على مجرد التفوّه بكلمة الإيمانِ وإن كان ذلك في حالة البأسِ واليأس فيحمل دسُّه ﷺ على سد باب الاحتمالِ البعيد لكمال الغيظِ وشدةِ الحرْدِ فتدبر والله الموفق وحقُّ العاملِ في الظرف أن يقدر مؤخراً ليتوجه الإنكارُ والتوبيخُ إلى تأخير الإيمانِ إلى حد يمتنعُ قبولُه فيه أي آلآن تؤمن حين يئستَ من الحياة وأيقنتَ بالممات وقوله عز وعلا
﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ حال من فاعل الفعل المقدر جئ به لتشديد التوبيخِ والتقريعِ على تأخير الإيمانِ إلى هذا الآن ببيان أنه لم يكن تأخيرُه لعدم بلوغِ الدعوةِ إليه ولا للتأمل والتدبر في دلائله وآياته ولا لشئ آخر مما عسى يعد عذراً في التأخير بل كان ذلك على طريقة الردِّ والاستعصاءِ والإفساد فإن قوله تعالى
﴿وَكُنتَ مِنَ المفسدين﴾ عطفٌ على عصيت داخلٌ في حيز الحال أي وكنت من الغالين في الإضلال والإضال عن الإيمانِ كقوله تعالى الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زدناهم