سورة هود (١٢) (١٣)
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ﴾ مِن البينات الدالة على حقيقة نبوَّتِك المناديةِ بكونها من عندِ الله عزَّ وجل لمن له أُذنٌ واعية
﴿وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ أي عارضٌ لك ضِيقُ صَدرٍ بتلاوته عليهم وتبليغِه إليهم في أثناء الدعوةِ والمُحاجّة
﴿أَن يَقُولُواْ﴾ لأن يقولوا تعامِياً عن تلك البراهينِ التي لا تكاد تخفى صحّتُها على أحدٍ ممَّن له أدنى بصيرةٍ وتمادياً في العِناد على وجه الاقتراح
﴿لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾ مالٌ خطيرٌ مخزونٌ يدل على صدقه
﴿أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ﴾ يصدّقه قيل قاله عبدُ اللَّه بنُ أميةَ المخزوميُّ ورُوي عن ابن عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما أنَّ رؤساءَ مكةَ قالوا يا محمد اجعل لنا جبالَ مكةَ ذهباً إن كنت رسولاً وقال آخرون ائتِنا بالملائكة يشهدوا بنبوتك فقال لا أقدِر على ذلك فنزلت كأنه ﷺ لما عاين اجتراءَهم على اقتراح مثلِ هذه العظائمِ غيرَ قانعين بالبينات الباهرةِ التي كانت تضطرهم إلى القَبول لو كانوا من أرباب العقولِ وشاهدَ ركوبَهم من المكابرة مَتنَ كلِّ صَعْبٍ وذَلولٍ مسارعين إلى المقابلة بالتكذيب والاستهزاءِ وتسميتِها سحرا مثل حاله ﷺ بحال من يتوقع منه أن يضيقَ صدرُه بتلاوة تلك الآيات الساطعةِ عليهم وتبليغِها إليهم فحُمل على الحذر منه بما في لعل من الإشفاق فقيل
﴿إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾ ليس عليك إلا الإنذارُ بما أوحي إليك غيرَ مبالٍ بما صدرَ عنْهم منَ الرد والقَبولِ
﴿والله على كُلّ شَيْء وَكِيلٌ﴾ يحفَظ أحوالَك وأحوالَهم فتوكلْ عليه في جميع أمورِك فإنه فاعلٌ بهم ما يليق بحالهم والاقتصار على النذير في أقصى غايةٍ من إصابة المَحزّ
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ إضرابٌ بأم المنقطة عن ذكر تركِ اعتدادِهم بما يوحى وتهاونِهم به وعدمِ اقتناعِهم بما فيه من المعجزاتِ الظاهرةِ الدالةِ على كونه من عندِ الله عزَّ وجل وعلى حقية نبوته ﷺ وشروعٌ في ذكر ارتكابِهم لما هو أشدُّ منه وأعظمُ وما فيها من معنى الهمزةِ للتوبيخ والإنكارِ والتعجيب والضميرُ المستكنُّ في افتراه للنبي ﷺ والبارزُ لما يوحى أي بل أيقولون افتراه وليس من عند الله
﴿قُلْ﴾ إنْ كانَ الأمرُ كَما تقولون
﴿فَاتُواْ﴾ أنتم أيضاً
﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ﴾ في البلاغة وحُسنِ النظمِ وهو نعتٌ لسُوَر أي أمثالِه وتوحيدُه إما باعتبار مماثلةِ كل واحد منها أو لأن المطابقةَ ليست بشرط حتى يوصَفُ المثنى بالمفرد كما في قوله تعالى أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مثلنا أو للإماء إلى أن وجهَ الشبهِ ومدارَ المماثلةِ في الجميع شيءٌ واحدٌ هو البلاغةُ المؤديةُ إلى مرتبة الإعجازِ فكأن الجميعَ واحدٌ
﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ صفةٌ أخرى لسُور أُخِّرت عن وصفها بالمماثلة لما يوحى لأنها الصفةُ المقصودةُ بالتكليف إذ بها يظهر عجزُهم وقعودُهم عن المعارضة وأما وصفُ الافتراء فلا يتعلق به غرضٌ يدور عليه شيءٌ في مقام التحدِّي وإنما ذُكر على نهج المساهلةِ وإرخاءِ العِنانِ ولأنه