هود آية ٣٨ الله تعالى عنهما لم يعلمْ كيف صنعةُ الفُلك فأَوْحَى الله تعالى إليه أن يصنعَها مثلَ جُؤجُؤ الطائر والأمرُ للوجوب إذ لا سبيلَ إلى صيانة الروحِ من الغرق إلا به فيجب كوجوبها واللامُ إما للعهد بأن يُحملَ على أن هذا مسوق بوحي الله تعالى إليه عليهِ السلام أنه سيهلكهم بالغرق وينجّيه ومَنْ معه بشيء سيصنعه بأمره تعالى ووحيِه مِنْ شأنه كيتَ وكيت واسمُه كذا وإما للجنس قيل صنعها عليه الصلاة والسلام في سنتين وقيل في أربعمائة سنة وكانت من خشب الساج وجُعلت ثلاثةَ بطونٍ حُمل في البطن الأول الوحوشُ والسباعُ والهوامُّ وفي البطن الأوسطِ الدوابُّ والأنعام وفي البطن الأعلى جنسُ البشر هو ومَنْ معه مع ما يحتاجونَ إليهِ من الزاد وحَمل معه جسد آدم عليه الصلاة والسلام وقيل جَعل في الأول الدواب والوحوس وفي الثاني الإنسَ وفي الأعلى الطيرَ قيل كان طولها ثلثمائة ذراعٍ وعَرْضُها خمسين ذراعاً وسَمْكُها ثلاثين ذراعاً وقال الحسنُ كان طولُها ألفاً ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراعٍ وقيل إن الحَواريين قالوا لعيسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ لَوْ بعثت لنا رجلاً شهد السفينةَ يحدثنا عنها فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفاً من ذلك الترب فقال أتدرون مَنْ هذا قالوا الله ورسولُه أعلم قال هذا كعبُ بنُ حام قال فضرب بعصاه فقال قم بإذن الله فإذا هو قائمٌ ينفض التراب عن رأسه وقد شاب فقال له عيسى عليه الصلاة والسلام أهكذا هلكْتَ قال لا متُّ وأنا شابٌّ ولكني ظننتُ أنها الساعة فمِنْ ثَمَّةَ شِبْتُ فقال حدثنا عن سفينة نوحٍ قال كان طولها ألفا مائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاثَ طبقاتٍ طبقةٌ للدواب والوحش وطبقةٌ للإنس وطبقةٌ للطير ثم قال عُدْ بإذن الله تعالى كما كنت فعاد تراباً
﴿وَلاَ تخاطبنى فِى الذين ظَلَمُواْ﴾ أي لا تراجِعْني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذابِ عنهم وفيه من المبالغة ما ليس فيما لو قيل ولا تدعُني فيهم وحيث كان فيه ما يلوح بالسببية أُكّد التعليلُ فقيل
﴿إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ﴾ أي محكومٌ عليهم بالإغراق قد مضى به القضاءُ وجفّ القلمُ فلا سبيل إلى كفه ولزِمتْهم الحُجةُ فلم يبقَ إلا أن يُجعلوا عِبرةً للمعتبرين ومثلاً للآخرين
﴿وَيَصْنَعُ الفلك﴾ حكايةُ حالٍ ماضيةٍ لاستحضار صورتِها العجيبةِ وقيل تقديرُه وأخذ يصنع الفلك أو أقبل يصنعها فاقتصر على يصنع وأيا ما كان ففيه ملأمة للاستمرار المفهومِ من الجملة الواقعةِ حالاً من ضميره أعني قوله تعالى ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قومه سخروا منه﴾ استهزءوا به لعلمه السفينةَ إما لأنهم ما كانوا يعرِفونها ولا كيفيةَ استعمالِها والانتفاعِ بها فتعجبوا من ذلك وسخِروا منه وإما لأنه كان يصنعها في برّية بهماءَ في أبعد موضعٍ من الماء وفي وقت عزَّتْه عِزَةٌ شديدة وكانوا يتضاحكون ويقولون يا نوحُ صرتَ نجاراً بعد ما كنت نبياً وقيل لأنه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يُنذرهم الغرقَ فلما طال مكثُه فيهم ولم يشاهِدوا منه عيناً ولا أثراً عدّوه من باب المُحال ثم لما رأوا اشتغالَه بأسباب الخلاصِ من ذلك فعلوا ما فعلوا ومدارُ الجميعِ إنكارُ أن يكون لعلمه عليه الصلاة والسلام عاقبةٌ حميدةٌ مع ما فيه من تحمل المشاقِّ