هود الآية (٤٧) منهم كما قيل فإن النهيَ عن استفسار ما لم يُعلم غيرُ موافقٍ للحكمة إذ عدمُ العلمِ بالشيء داعٍ إلى الاستفسار عنه لا إلى تركه بل هو دعاءٌ منه لإنجاء ابنِه حين حال الموجُ بينهما ولم يَعلم بهلاكه بعدُ إما بتقريبه إلى الفُلك بتلاطم الأمواجِ أو بتقريبها إليه وقيل أو بإنجائه في قُلّة الجبل ويأباه تذكيرُ الوعدِ في الدعاء فإنه مخصوصٌ بالإنجاء في الفلك وقوله تعالى لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ ومجرّدُ حيلولةِ الموجِ بينهما لا يستوجب هلاكَه فضلاً عن العلم به لظهور إمكانِ عصمةِ الله تعالى إياه برحمته وقد وعد بإنجاء أهلِه ولم يكن ابنُه مجاهراً بالكفر كما ذكرناه حتى لا يجوز عليه عليه السلام أن يدعوَه إلى الفُلك أو يدعوَ ربّه لإنجائه واعتزالُه عنه عليه الصلاة والسلام وقصدُه الالتجاء إلى الجبل ليس بنص في الإصرار على الكفر لظهور جوازِ أن يكون ذلك لجهله بانحصار النجاة في الفُلك وزعمِه أن الجبلَ أيضاً يجري مجراه أو لكراهة الاحتباسِ في الفلك بل قوله سَآوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء بعد ما قال له نوحٌ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين ربما يُطمعه عليه السلام في إيمانه حيث لم يقل أكونُ معهم أو سنأوي أو يعصمنا فإن إفرادَ نفسه بنسبة الفعلين المذكورين ربما يشعر بانفرداه من الكافرين واعتزالِه عنهم وامتثالِه ببعض ما أمره به نوحٌ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلا أنه عليه الصلاةُ والسلام لو تأمل في شأنه حقَّ التأملِ وتفحّص عن أحواله في كلِّ ما يأتي ويذر لما اشتبه عليه أنه ليس بمؤمن وأنه المستثنى من أهله ولذلك قيل
﴿إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ فعبّر عن ترك الأولى بذلك وقرىء فلا تسألنِ بغير ياءِ الإضافةِ وبالنون الثقيلة بياء وبغير ياء
﴿قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ﴾ أي أطلب منك من بعدُ
﴿مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ﴾ أي مطلوباً لا أعلم أن حصولَه مقتضي الحِكمة أو طلباً لا أعلم أنه صوابٌ سواءٌ كان معلومَ الفسادِ أو مشتبه الحال أولا أعلمُ أنه صوابٌ أو غيرُ صوابٍ على ما مر وهذه توبةٌ منه عليه السلام مما وقع منه وإنما لم يقُلْ أعوذ بك منه أو من ذلك مبالغةً في التوبة وإظهاراً للرغبة والنشاطِ فيها وتبركاً بذكر ما لقّنه الله تعالى وهو أبلغُ من أنْ يقول أتوبُ إليك أن أسألَك لما فيهِ منَ الدلالةِ على كون ذلك أمراً هائلاً محذوراً لا محيصَ منه إلا بالعوذ بالله تعالى وأن قدرتَه قاصرةٌ عن النجاة من المكاره إلا بذلك
﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى﴾ ما صدرَ عنِّي من السؤال المذكورِ
﴿وَتَرْحَمْنِى﴾ بقَبول توبتي
﴿أَكُن مّنَ الخاسرين﴾ أعمالاً بسبب ذلك فإن الذهولَ عن شكر الله تعالى لا سيما عند وصولِ مثلِ هذه النعمةِ الجليلةِ التي هي النجاةُ وهلاكُ الأعداءِ والاشتغالَ بما لا يعني خصوصاً بمبادي خلاصِ من قيلَ في شأنه إنه عملٌ غيرُ صالحٍ والتضرّعَ إلى الله تعالَى في أمره معاملة غير رابحة وخسران مبينٌ وتأخيرُ ذكرِ هذا النداءِ عن حكاية الأمرِ الوارد على الأرض والسماء وما يتلوه من زوال الطوفانِ وقضاءِ الأمر واستواءِ الفُلك على الجوديّ والدعاءِ بالهلاك على الظالمين مع أن حقَّه أن يُذكر عَقيبَ قوله تعالى فَكَانَ مِنَ المغرقين حسبما وقع في الخارج إذ حينئذ يُتصوّر الدعاءُ بالإنجاء لا بعد العلمِ بالهلاكِ ليس لما


الصفحة التالية
Icon