يوسف الآية (٢٠) ما جرى على يوسف في الجب بعد الفراغِ من ذكر ما وقع بين إخوتِه وبين أبيه والتعبيرُ بالمجيء ليس بالنسبة إلى مكانهم فإن كنعانَ ليس بالجانب المصريِّ من مدينَ بل إلى مكان يوسف وفي إيثاره على المرور أو الإتيانِ أو نحوهما إيماءٌ إلى كونه عليه السلام في الكرامة والزلفى عند مليكٍ مقتدرٍ والظاهر أن الجب كان في الأمم المئتاء فإن المتبادر من إسناد المجيء إلى السيارة مطلقاً في قولِه عزَّ وجلَّ وجاءت
﴿سَيَّارَةٌ﴾ أي رفقةٌ تسير من جهة مدينَ إلى مصرَ وقوعُه باعتبار سيرِهم المعتادِ وهو الذي يقتضيه قوله تعالى فيما سلف يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة وقد قيل إنه كان في قفرة بعيدةٍ من العُمران لم تكن إلا للرعاة فأخطئوا الطريقَ فنزلوا قريباً منه وقيل كان ماؤه مِلْحاً فعذُبَ حين ألقي فيه عليه السلام
﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ الذي يرد الماءَ ويستقي لهم وكان ذلك مالك بنُ ذعر الخزاعيّ وإنما لم يُذكر منتهى الإرسالِ كما لم يذكر منتهى المجيءِ أعني الجب للإيذان بأن ذلك معهودٌ لا يُضرب عنه الذكرُ صفحاً
﴿فأدلى دَلْوَهُ﴾ أي أرسلها إلى الجب والحذفُ لما عرفتَه فتدلى بها يوسف فخرج
﴿قَالَ﴾ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال يقتضيه الحال
﴿يا بشرى هذا غُلاَمٌ﴾ كأنه نادى البُشرى وقال تعالَيْ فهذا أوانُك حيث فاز بنعمة باردةٍ وأيِّ نعمةٍ مكانَ ما يوجد مباحاً من الماء وقيل هو اسمُ صاحبٍ له ناداه ليُعينَه على إخراجه وقرأ غيرُ الكوفيين يا بشرايَ وأمال فتحةَ الراءِ حمزةُ والكِسائيُّ وقرأ ورشٌ بين اللفظين وقرىء يا بُشْرَيَّ بالإدغام وهي لغة وبشرايْ على قصد الوقف
﴿وَأَسَرُّوهُ﴾ أي أخفاه الواردُ وأصحابُه عن بقية الرفقة وقيل أخفَوا أمرَه ووجدانَهم له في الجب وقالوا لهم دفعَه إلينا أهلُ الماء لنبيعه لهم بمصرَ وقيل الضميرُ لإخوة يوسفَ وذلك أن يهوذا كان يأتيه كلَّ يوم بطعام فأتاه يومئذ فلم يجدْه فيها فأخبر إخوتَه فأتَوا الرفقةَ وقالوا هذا غلامنا أبق فاشترَوه منهم وسكت يوسفُ مخافةَ أن يقتُلوه ولا يخفلا ما فيهِ من البُعدِ
﴿بضاعة﴾ نُصب على الحالية أي أخفَوه حالَ كونِه بضاعةً أي متاعاً للتجارة فإنها قطعةٌ من المال بُضعت عنه أي قطعت للتجارة
﴿والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ وعيدٌ لهم على ما صنعوا من جعلهم مثلَ يوسفَ وهو هو عرضةً للابتذال بالبيع والشراءِ وما دبروا في ذلك من الحيل
﴿وَشَرَوْهُ﴾ أي باعوه والضمير للوارد وأصحابه
﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ زيْفٍ ناقصِ العيار
﴿دراهم﴾ بدل من ثمن أي لا دنانير
﴿مَّعْدُودَةٍ﴾ أي غيرِ موزونة فهو بيانٌ لقلته ونقصانه مقدارا بعد بيان نقصانِه في نفسه إذ المعتادُ فيما لا يبلغ أربعين العدُّ دون الوزن فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت عشرين درهماً وعن السدي رضي الله عنه أنها كانت اثنين وعشرين درهماً
﴿وَكَانُواْ﴾ أي البائعون
﴿فِيهِ﴾ في يوسف
﴿مِنَ الزاهدين﴾ من الذين لا يرغبون فيما بأيديهم فلذلك باعوه بما ذكر من الثمن البخْسِ وسببُ ذلك أنهم التقطوه والملتقطُ للشيء متهاونٌ به أو غيرُ واثق بأمره يخاف أن يظهر له مستحِقٌّ فينتزعه منه فيبيعه من أول مُساومٍ بأوكسِ ثمن ويجوز أن يكون معنى شرَوه اشتروه من إخوته على ما حُكي وهم غير راغبين في شِراه خشية ذهابِ ما لهم لما طن في آذانهم من الإباق والعدول عن صيغة الافتعال المنبئةِ عن الاتخاذ لما مرَّ منْ أنَّ أخذَهم إنما كان بطريق البضاعة دوت الاجتباء والاقتناءِ وفيه متعلِّق بالزاهدين إن جُعل اللامُ للتعريف