يوسف الآية (٢٣) جزاءً لعمله عليه السَّلامُ حيث قال
﴿وكذلك﴾ أي مثلَ ذلك الجزاءِ العجيب
﴿نَجْزِى المحسنين﴾ أي كلَّ من يُحسِن في عمله فيجب أن يكون ذلك بعد انقضاءِ أعمالِه الحسنةِ التي من جُملتها معاناةُ الأحزان والشدائدِ وقد فُسّر العلمُ بعلم تأويلِ الأحاديث ولا صحةَ له إلا أن يُخَصَّ بعلم تأويلِ رؤيا الملِك فإن ذلك حيث كان عند تناهي أيامِ البلاءِ صحّ أن يُعدَّ إيتاؤُه من جملة الجزاء وأما رؤيا صاحبَي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبيرِها في السجن بضعَ سنين وفي تعليق الجزاءِ المذكورِ بالمحسنين إشعارٌ بعلّية الإحسان له وتنبيهٌ على أنه سبحانه إنما آتاه ما آتاه لكونه محسناً من أعماله متّقياً في عنفوان أمرِه هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان
﴿وَرَاوَدَتْهُ التى هُوَ فِى بَيْتِهَا﴾ رجوعٌ إلى شرح ما جرى عليه في منزل العزيز بعدما أمر امرأتَه بإكرام مثواه وقوله تعالى وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ إلى هنا اعتراضٌ جيء به أُنموذجاً للقصة ليعلم السامعُ من أول الأمر أن ما لقِيه عليه السلام من الفتن التي ستحكى بتفاصيلها له غايةٌ جميلةٌ وعاقبةٌ حميدةٌ وأنه عليه السلام مُحسنٌ في جميع أعمالِه لم يصدُر عنه في حالتي السراءِ والضراءِ ما يُخِلُّ بنزاهته ولا يخفى أن مدار حسن التخليص إلى هذا الاعتراضِ قبل تمام الآيةِ الكريمةِ إنما هو التمكينُ البالغُ المفهومُ من كلام العزيز فإدراجُ الإنجاءِ السابق تحت الإشارةِ بذلك في قوله تعالى وكذلك مَكَّنَّا كما فعله الجمهورُ ناءٍ من التقريب فتأملْ والمراودةُ المطالبةً من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيءٍ ومنه الرائد لطلب الماءِ والكلأ وهي مفاعلةٌ من واحد نحوُ مطالبةِ الدائنِ ومماطلةِ المديونِ ومداواةِ الطبيب ونظائِرها مما يكون من أحد الجانبين الفعلُ ومن الآخر سببُه فإن هذه الأفعالَ وإن كانت صادرةً عن أحد الجانبين لكن لما كانت أسبابُها صادرةً عن الجانب الآخر جُعلت كأنها صادرةٌ عنهما وهذا بابٌ لطيفُ المسلك مبنيٌّ على اعتبار دقيقٍ تحقيقُه أن سببَ الشيء يقام مُقامَه ويطلق عليه اسمُه كما في قولهم كما تدين تدان أي كما تجزي تجزى فإن فعل البادي وإن لم يكن جزاءً لكنه لكونه سبباً للجزاء أُطلق عليه اسمُه وكذلك إرادةُ القيامِ إلى الصلاة وإرادةُ قراءةِ القرآنِ حيث كانتا سبباً للقيام والقراءة عُبّر عنهما بهما فقيل إِذَا قُمتُم إِلَى الصلاة فإذا قرأت القرآن وهذه قاعدةٌ مطردةٌ مستمرة ولمّا كانت أسبابُ الأفعالِ المذكورة فيما نحن فيه صادرةً عن الجانب المقابلِ لجانب فاعلِها فإن مطالبةَ الدائنِ للمماطلة التي هي من جانب الغريم وهي منه للمطالبة التي هي من جانب الدائنِ وكذا مداواةُ الطبيب للمرض الذي هو من جانب المريض وكذلك مراودتُها فيما نحن فيه لجمال يوسفَ عليه السلام نُزّل صدورُها عن محالها بمنزلة صدور مسبباتهما التي هي تلك الأفعالُ فبُني الصيغةُ على ذلك وروعيَ جانبُ الحقيقةِ بأن أُسند الفعلُ إلى الفاعل وأُوقع على صاحب السبب فتأملِ ويجوز أن يراد بصيغة المغالبةِ مجردُ المبالغة وقيل الصيغةُ على بابها بمعنى أنها طَلبت منه الفعلَ وهو منها التركَ ويجوزُ أنْ يكونَ مَنْ الرُوَيد وهو الرفقُ والتحمّلُ وتعديتُها بعن لتضمينها معنى المخادعة فالمعنى خادعته
﴿عَن نفسه﴾ أي فعلت