يوسف الآية (٢٦)
﴿إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ما نافية أي ليس جزاؤُه إلا السجنُ أو العذابُ الأليم قيل المرادُ به الضربُ بالسياط أو استفهاميةٌ أي أيُّ شيءٍ جزاؤُه غيرُ ذاك أو ذلك ولقد أتت في تلك الحالةِ التي تُدهش فيها الفَطِنَ حيث شاهدها العزيزُ على تلك الهيئة المُريبة بحيلة جمعت فيها غرضيها وهما تبرئةُ ساحتِها مما يلوح من ظاهر الحالِ واستنزالُ يوسف عن رأيه في استعصائه عليها وعدمِ مواتاتِه على مرادها بإلقاء الرعبِ في قلبه من مكرها طمعاً في مواقعته لها كرهاً عند يأسِها عن ذلك اختياراً كما قالت وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ثم إنها جعلت صدورَ الإرادة المذكورةِ عن يوسف عليه السلام أمراً محققاً مفروغاً عنه غنياً عن الإخبار بوقوعه وأن ما هيَ عليهِ من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائِها فهي تريد إيقاعَه حسبما يقتضيه قانونُ الإيالة وفي إبهام المُريد تهويلٌ لشأن الجزاء المذكورِ بكونه قانوناً مطرداً في حق كل أحدٍ كائناً مَنْ كان وفي ذكر نفسها بعنوان أهلية العزيزِ إعظامٌ للخطب وإغراءٌ له على تحقيق ما تتوخاه بحكم الغضب والحمية
﴿قَالَ﴾ استئنافٌ وجوابٌ عما يقال فماذا قال يوسفُ حينئذ فقيل قال
﴿هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى﴾ أي طالبتني للمواتاة لا أني أردتُ بها سوءاً كما قالت وإنما قاله عليه السلام لتنزيه نفسِه عما أُسند إليه من الخيانة وعدم معرفة حقِّ السيد ودفعِ ما عرضَتْه له من الأمرين الأمرين وفي التعبير عنها بضمير الغَيبة دون الخطاب أو اسم الإشارةِ مراعاةٌ لحسن الأدبِ مع الإيماء إلى الإعراض عنها
﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا﴾ قيل هو ابنُ عمها وقيل هو الذي كان جالساً مع زوجها لدى الباب وقيل كان حكيماً يرجِعُ إليه الملكُ ويستشيره وقد جُوّز أن يكون بعضُ أهلها قد بصُر بها من حيث لا تشعُر فأغضبه الله تعالى ليوسف عليه السلام بالشهادة له والقيامِ بالحق وإنما ألقى الله سبحانه الشهادةَ إلى من هو من أهلها ليكون أدلَّ على نزاهته عليه السلام وأنفى للتُّهمة وقيل كان الشاهدُ ابنَ خالٍ لها صبياً في المهد أنطقه الله تعالى ببراءته وهو الأظهر فإنه رُوي أن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم قال تكلم أربعةٌ وهم صغار ابنُ ماشطةَ بنتِ فرعون وشاهدُ يوسف وصاحبُ جريج وعيسى عليه السلام رواه الحاكم عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه وقال صحيح على شرط الشيخين وذكر كونَه من أهلها لبيان الواقع إذ لا يختلف الحالُ في هذه الصورة بين كون الشاهدِ من أهلها أو من غيرِهم
﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ﴾ أي إن عُلم أنه قد مِن قَبْلُ من قبلِ ونظيره إن أحسنتَ إلى فقد أحسنتُ إليك فيما قبلُ فإن معناه إن تعتدَّ بإحسانك إلي فأعتدُّ بإحساني السابقِ إليك
﴿فَصَدَقَتْ﴾ بتقدير قد لأنها تقرب الماضي إلى الحال أي فقد صدقت وكذا الحالُ في قولِه فَكَذَّبْتَ وهي وإن لم تصرِّح بأنه عليه السلام أراد بها سوءاً إلا أن كلامَها حيث كان واضحَ الدِلالة عليه أُسند إليها الصدقُ والكذب بذلك الإعتبار فإنهم كما يعرضان للكلام باعتبار منطوقِه يعرضان له باعتبار ما يستلزمه وبذلك الإعتبار يعترضان للإنشاءات
﴿وَهُوَ مِنَ الكاذبين﴾ وهذه الشرطية حيث لا ملازمة