يوسف الآية (٢٧ ٢٨) عقليةً ولا عاديةً بين مقدِّمها وتاليها ليست من الشهادة في شيء وإنما ذُكرت توسيعاً للدائرة وإرخاءً للعِنان إلى جانب المرأة بإجراء ما عسى يحتمله الحالُ في الجملة بأن يقع القدُّ من قُبُل بمدافعتها له عليه السَّلامُ عن نفسها عند إرادتِه المخالطةَ والتكشفَ مُجرى الظاهرِ الغالبِ الوقوعِ تقريباً لما هو المقصود بإقامة للشهادة أعني مضمونَ الشرطية الثانية التي هي قولُه عزَّ وجلَّ
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصادقين﴾ إلى التسليم والقَبول عند السامع لكونه أقربَ إلى الوقوع وأدلَّ على المطلوب وإن لم يكن بين طرفيها أيضاً ملازمةٌ وحكايةُ الشرطيةِ بعد فعل الشهادةِ لكونها من قبيل الأقوال أو بتقدير القول أي شهد قائلاً الخ وتسميتُها شهادةً مع أنه لا حكمَ فيها بالفعل بالصدق والكذب لتأديتها مؤداها بل لأنها شهادةٌ على الحقيقة وحُكمٌ بصدقه وكذبها أما على تقدير كونِ الشاهدِ هو الصبيُّ فظاهرٌ إذ هو إخبارٌ بهما من قِبَل علامِ الغيوب والتصويرُ بصورة الشرطية للإيذان بأن ذلك ظاهرٌ من العلائم أيضاً وأما على تقدير كونِه غيرَه فلأن الظاهرَ أن صورةَ الحالِ معلومةٌ له على ما هي عليه إما مشاهدةً أو إخباراً فهو متيقّنٌ بعدم مقدَّم الشرطيةِ الأولى وبوجود مقدمِ الشرطيةِ الثانية ومن ضرورته الجزمُ بانتفاء تالي الأولى وبوقوع تالي الثانية فإذن هو إخبارٌ بكذبها وصدقِه عليه السلام لكنه ساق شهادتَه مساقاً مأموناً من الجَرْح والطعن حيث صورها بصورة الشرطية المترددةِ ظاهراً بين نفعها ونفعِه وأما حقيقةً فلا تردد فيها قطعاً لأن الشرطية الأولى تعليقٌ لصدقها بما يستحيل وجودُه من قدّ القميص من قُبُل فيكون مُحالاً لا محالة ومن ضرورته تقررُ كذبها والثانية تعليقٌ لصدقه عليه السلام بأمر محقق الوجود وهوالقد من دبر فيكون محقق البتةَ وهذا كما قيل فيمن قال لامرأة زوجيني نفسك فقالت لي زوجٌ فكذبها في ذلك فقالت إن لم يكن لي زوجٌ فقد زوجتُك نفسي فقبل الرجلُ فإذا لا زوج لها فهو نكاحٌ إذ تعليقُ الشيء بأمر مقرر تنجير له وقُرىء منْ قُبلُ ومن دُبرُ بالضم لأنهما قطعا عن الإضافة كقبلُ وبعدُ وبالفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرفَ للتأنيث والعلمية وقرىء بسكون العين
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ﴾ كأنه لم يكن رأى ذلك بعدُ أو لم يتدبَّرْه فلما تنبه له وعلم حقيقةَ الحال
﴿قَالَ إِنَّهُ﴾ أي الأمرَ الذي وقع فيه التشاجرُ وهو عبارةٌ عن إرادة السوءِ التي أُسندت إلى يوسف وتدبيرِ عقوبته بقولها ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءاً إلى آخره لكن لا من حيث صدورُ تلك الإرادةِ والإسنادُ عنها بل مع قطع النظرِ عن ذلك لئلا يخلُوَ قوله تعالى
﴿مِن كَيْدِكُنَّ﴾ أي من جنس حيلتِكن ومكرِكن أيتها النساءُ لا من غيركن عن الإفادة وتدبيرِ العقوبة وإن لم يمكن تجريدُه عن الإضافة إليها إلا أنها لما صوّرته بصورة الحق أفاد الحكمَ بكونه من كيدهن إفادةً ظاهرةً فتأمل وتعميمُ الخطاب للتنبيه على أن ذلك خُلُق لهن عريق... ولا تحسَبا هنداً لها الغدرُ وحدها... سجيةُ نفسٍ كلُّ غانيةٍ هندُ...
ورجْعُ الضميرِ إلى قولها ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءاً فقط عدولٌ عن البحث عن أصل ما وقع فيه النزاع من أن