يوسف الآية (٣٦) فأخرجَ فأعتذرَ إلى الناس وإما أن تحبِسه فحبسه ولقد أرادت بذلك تحقيقَ وعيدِها لتُلين به عريكتَه وتنقادَ لها قرونته لمّا انصرمت حبالُ رجائها عن استتباعه بعرض الجمالِ والترغيبِ بنفسها وبأعوانها وقرىء لتسجُنُنه على صيغة الخطاب بأن خاطب بعضُهم العزيزَ ومن يليه أو العزيزَ وحده على وجه التعظيم أو خاطب به العزيزَ ومَن عنده مِن أصحاب الرأي المباشرين للسجن والحبس
﴿حتى حِينٍ﴾ إلى حين انقطاعِ قالةِ الناسِ وهذا بادي الرأي عند العزيز وذويه وأما عندها فحتى يذلِّلَه السجنُ ويسخره لها ويحسبَ الناسُ أنه المجرمُ وقرىء عتى حين بلغة هذيل
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾ أى فى صحبته
﴿السجن فَتَيَانَ﴾ من فتيان الملك وممالكيه أحدهما شرابيه والآخر خبازه رُوي أنَّ جماعةً من أهل مصر ضمنوا لهما مالا ليسما الملك فى طعامه وشرابه فأجاباهم إلى ذلك ثم إن الساقى نكل عن ذلك ومضى عليه الخباز فسم الخبز فلما حضر الطعام قال الساقى لا تأكل أيها الملك فإن الخبز مسموم وقال الخباز لا تشرب أيها الملك فإن الشراب مسموم فقال الملك للساقى اشربه فشربه فلم يضره وقال للخباز كله فأبى فجرب بدابة فهلكت فأمر بحبسهما فاتفق أن أدخلاه معه وتأخير الفاعل عن المفعول لما مر غير مرة من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ليتمكن عند النفس حين ورودِه عليها فضلُ تمكُّنٍ ونظيره تقديم الظرفِ على المفعول الصريحِ في قوله تعالى فأوجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفة وتأخير السجن عن الظرف لإيهام العكس أن يكون الظرفُ خبراً مقدما على المبتدأ وتكون الجملة حالا من فاعل دخل فتأمل
﴿قَالَ أَحَدُهُمَآ﴾ استئناف مبني على سؤال من يقول ما صنعا بعد ما دخلا معه السجن فأجيب بأنه قال أحدهما وهو الشرابى
﴿إني أراني﴾ أى رأيتنى والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة الماضية
﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾ أى عنباً سماه بما يؤول إليه لكونه المقصود من العصر وقيل الخمر بلغة عمان اسم للعنب وفي قراءةُ ابن مسعودٍ رضي الله عنه أعصر عنباً
﴿وَقَالَ الآخر﴾ وهو الخباز
﴿إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً﴾ تأخير المفعول عن الظرفِ لما مرَّ آنفاً وقوله
﴿تَأْكُلُ الطير مِنْهُ﴾ أى تنهس منه صفة للخبز أو استئنافٌ مبنيُّ على السؤال
﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ بتأويل ما ذكر من الرؤيين أو ما رئى بإجراء الضمير مجرى ذلك بطريق الاستعارة فإن اسم الإشارة يشار به إلى متعدد كما فى قوله... فيها خطوطٌ من سوادٍ وبَلَق... كأَنَّهُ فِي الجلدِ تَوْليعُ البهقْ...
أي كأن ذلك والسر فى المصير إلى إجراء الضَّميرِ مجرى اسمِ الإشارةِ مع أنه لا حاجة إليه بعد تأويل المرجع بما ذكر أو بما رئى أن الضمير إنما يتعرض لنفس المرجع من حيثُ هو من غير تعرض لحال من أحواله فلا يتسنى تأويله بأحد الاعتبارين إلا بإجرائه مجرى اسم الإشارة الذى يدل على المشار إليه بالاعتبار الذى جرى عليه فى الكلام فتأمل هذا إذا قالاه معاً أو قاله أحدهما من جهتهما معا وأما ما إذا قاله كل منهما إثر ما قص ما رآه فالخطاب المذكور ليس عبارتهما ولا عبارة أحدهما من جهتهما ليتعدد المرجع بل عبارة كل منهما نبئنى بتأويله مستفسراً لما رآه وصيغة المتكلم مع الغير واقعة فى الحكاية دون المحكى على طريقة قوله عز وجل يأَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات فإنهم


الصفحة التالية
Icon