يوسف الآية (٤٦ ٤٧) بالتلقي عمن عنده علمُه لا من تلقاء نفسي ولذلك لم يقل أنا أفتيكم فيها وعقبّه بقوله
﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ أي إلى يوسفَ وإنما لم يذكُرْه ثقةً بما سبق من التذكر وما لَحِقَ من قوله
﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق﴾ أي أُرسل إليه فأتاه فقال يا يوسف ووصفَه بالمبالغة في الصدق حسبما شاهده وذاق أحوالَه وجرّبها لكونه بصدد اغتنامِ آثارِه واقتباس أنوارِه فهو من باب براعة الاستهلال
﴿أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات﴾ أي في رؤيا ذلك وإنما لم يصرح به لوضوح مرامِه بقرينة ما سبق من معاملتهما ولدَلالة مضمونِ الحادثة عليه حيث لا إمكان لوقوعه في عالم الشهادةِ أي بيِّنْ لنا مآلَها وحكمَها وحيث عاين علوَّ رتبتِه عليه السلام في الفضل عبّر عن ذلك بالإفتاء ولم يقل كما قال هو وصاحبُه أولاً نبّئنا بتأويله وفي قوله أفتنا مع أنه المستفتي وحده إشعار بأن الرؤيا ليست له بل لغيره ممن له ملابسةٌ بأمور العامة وأنه في ذلك مَعْبرٌ وسفيرٌ كما آذن بذلك حيث قال
﴿لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس﴾ أي إلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد إن كان السجنُ في الخارج كما قيل فأُنبّئهم بذلك
﴿لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك ويعملون بمقتضاه أو يعلمون فضلَك ومكانك مع ما أنت فيه من الحال فتتخلّصَ منه وإنما لم يبُتَّ القولَ في ذلك مجاراةً معه على نهج الأدب واحترازاً عن المجازفة إذ لم يعلموه على يقين من الرجوع فربما اخترم دونه لعل المنايا دون ما تعدّاني ولا مِنْ علمهم بذلك فربما لم يعلموه
﴿قال﴾ استئناف مبني على السؤالِ كأنَّه قيلَ فماذَا قال يوسفُ عليه السلام في التأويل فقيل قال
﴿تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا﴾ قرىء بفتح الهمزة وسكونِها وكلاهما مصدرُ دأَبَ في العمل إذا جدّ فيه وتعِب وانتصابُه عَلى الحاليةِ من فاعل تزرعون أي دائبين أو تدأبون دأباً على أنَّه مصدرٌ مؤكدٌ لفعل هو الحال أوّلَ عليه السلام البقراتِ السمانَ والسنبلاتِ الخضْرَ بسنين مخاصيب والعجاف واليابسان بسنين مجدبة فأخذهم بأنهم يواظبون سبعَ سنين على الزراع ويبالغون فيها إذ بذلك يتحقق الخِصْبُ الذي هو مصداقُ البقراتِ السمان وتأويلُها ودلهم في تضاعيف ذلك على أمر نافعٍ لهم فقال
﴿فَمَا حَصَدتُّمْ﴾ أي في كل سنة
﴿فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ﴾ ولا تَذْروه كيلا يأكلَه السوسُ كما هو شأنُ غلالِ مصرَ ونواحيها ولعله عليه السلام استدل على ذلك بالسنبلات الخُضرِ وإنما أمرهم بذلك إذ لم يكن معتاداً فيما بينهم وحيث كانوا معتادين للزراعة لم يأمرهم بها وجعلَها أمراً محققَ الوقوع وتأويلاً للرؤيا مصداقاً لما فيها من البقرات السمان
﴿إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تأكلون﴾ في تلك السنين وفيه إرشادٌ منه عليه السلام لهم إلى التقليل في الأكل والاقتصارِ على استثناء المأكولِ دون البَذْر لكون ذلك معلوماً من قوله تزرعون سبعَ سنين وبعد إتمام ما أمرهم به شَرَع في بيان بقيةِ التأويلِ التي يظهر منها حكمةُ الأمر المذكور فقال