يوسف الآية (٥٢ ٥٣) الأرض للإناخة قال... فحصحَص في صُمّ الصفا ثفَناتِه... وناء بسلمى نوأةً ثم صمّما...
والمعنى أُقرَّ الحقُّ في مقرّه ووُضع في موضعه ولم ترِدْ بذلك مجردَ ظهور ما ظهر بشهادتهن من مطلق نزاهتِه عليه السلام فيما أحاط به علمُهن من غير تعرض لنزاهته في سائر المواطنِ خصوصاً فيما وقع فيه التشاجرُ بمحضر العزيز ولا بحثٍ عن حال نفسها وما صنعت في ذلك بل أرادت ظهورَ ما هو متحققٌ في نفس الأمر وثبوتِه من نزاهته عليه السلام في محل النزاعِ وخيانتِها فقالت
﴿أَنَاْ راودته عَن نَّفْسِهِ﴾ لا أنه راودني عن نفسي
﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾ أي في قوله حين افتريت عليه هي راودتني عن نفسي وأرادت بالآن زمانَ تكلّمها بهذا الكلام لا زمانَ شهادتِهن فتأمل أيها المنصفُ هل ترى فوق هذه المرتبةِ نزاهةً حيث لم تتمالك الخُصماء من الشهادة بها والفضلُ ما شهدت بهِ الخصماءُ وإنما تصدى عليه السلام لتمهيد هذه المقدمة قبل الخروج ليُظهر براءةَ ساحتِه مما قُذف به لا سيما عند العزيزِ قبل أن يحُلّ ما عقَده كما يعرب عنه قوله عليه السلام لما رجع إليه الرسولُ وأخبره بكلامهن
﴿ذلك﴾ أي ذلك التثبيتُ المؤدي إلى ظهور حقيقة الحال
﴿لِيَعْلَمَ﴾ أي العزيز
﴿أَنّى لَمْ أَخُنْهُ﴾ في حرمته كما زعمه لا علماً مطلقاً فإن ذلك لا يستدعي تقديمَ التفتيشِ على الخروج من السجن بل قبلَ ما ذُكر من نقض ما أبرمه ولعله لمراعاة حقوقِ السيادةِ لأن المباشرَة للخروج من حبسه قبل ظهورِ بُطلانِ ما جعله سبباً له وإن كان ذلك بأمر الملك مما يوهم الافتياتَ على رأيه وأما أن يكون ذلك لئلا يُتمكن من تقبيح أمره عند الملك تمحلاً لإمضاء ما قضاه فلا يليقُ بشأنه عليه السَّلامُ في الوثوق بأمره والتوكل على ربه جل جلاله
﴿بالغيب﴾ أي بظهر الغيبِ وهو حالٌ من الفاعلِ أو المفعول أي لم أخُنه وأنا غائبٌ عنه أو وهو غائبٌ عنْهُ أو وهو غائبٌ عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستاء والأبوابِ المغلقة وأيَاً ما كانَ فالمقصودُ بيانُ كمالِ نزاهتِه عن الخيانة وغايةِ اجتنابه عنها عند تعاضد أسبابِها
﴿وَأَنَّ الله﴾ أي وليعلم أنه تعالى
﴿لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين﴾ أي لا يُنفِذه ولا يسدّده بل يُبطله ويُزهِقه أو لا يهديهم في كيدهم إيقاعاً للفعل على الكيد مبالغة كما في قوله تعالى يضاهئون قَوْلَ الذين كَفَرُواْ أي يضاهئونهم في قولهم وفيه تعريضٌ بامرأته في خيانتها أمانتَه وبه في خيانته أمانةَ الله تعالى حين ساعدها على حبسه بعد ما رأوا آياتِ نزاهتِه عليهِ السَّلامُ ويجوزُ أنْ يكون ذلك لتأكيد أمانته وأنه لو كان خائناً لما هدى الله عز وجل أمره وأحسن عاقبتَه
﴿وما أبرئ نَفْسِى﴾ أي لا أنزّهها عن السوء قاله عليه السلام هضماً لنفسه الكريمة البريئةِ عن كل سوء وربأً بمكانها عن التزكية والإعجاب بحالها عند ظهورِ كمالِ نزاهتِها على أسلوب قوله عليه السلام أنَا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر أو تحديثاً بنعمة الله عز وجل عليه وإبرازاً لسره المكنونِ في شأن أفعال العبادِ أي لا أنزهها عن السوء من حيث هي هي ولا أُسند هذه الفضيلةَ إليها بمقتضى طبعِها من غير توفيقٍ من الله عز وعلا
﴿أَنَّ النفس﴾ البشريةَ التي من جملتها نفسي في حد ذاتِها
﴿لامَّارَةٌ بالسوء﴾ مائلةٌ إلى الشهوات