ممتارين لما أصاب أرضَ كنعانَ وبلادَ الشام ما أصاب أرضَ مصر وقد كان أرسلهم يعقوبُ عليه السلام جميعاً غيرَ بنيامين
﴿فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ﴾ أي على يوسف وهو في مجلس ولايته
﴿فَعَرَفَهُمْ﴾ لقوة فهمِه وعدم مباينةِ أحوالِهم السابقة لحالهم يومئذ لمفارقته إياهم وهم رجال وتشابه هيآتهم وزِيِّهم في الحالين ولكون هِمَّته معقودةً بهم وبمعرفة أحوالهم لا سيما في زمن القحط وعن الحسن ما عرفهم حتى تعرّفوا له
﴿وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ أي والحالُ أنهم منكرون له لطول العهدِ وتبايُنِ ما بين حاليه عليه السلام في نفسه ومنزلته وزِيِّه ولاعتقادهم أنه هلك وحيث كان إنكارُهم له أمراً مستمراً في حالتي المحضَر والمَغيب أُخبر عنه بالجملة الاسميةِ بخلاف عرفانِه عليه السلام إياهم
﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ﴾ أي أصلحهم بعدّتهم من الزاد وما يحتاج إليه المسافر وأوْقَر ركائبَهم بما جاءوا له من المِيرة وقرىء بكسر الجيم
﴿قَالَ ائتونى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ﴾ لم يقل بأخيكم مبالغةً في إظهار عدم معرفتِه لهم ولعلَّه عليه السَّلام إنَّما قاله لِما قيلَ من أنَّهم سألوه عليه السلام حملا زائداً على المعتاد لبنيامين فأعطاهم ذلك وشرطهم أن يأتوا به لا لما قيلَ من أنه لما رأَوْه وكلموه بالعبرية قال لهم من أنتم فإني أنكركم فقالوا له نحن قومٌ من أهل الشام رعاةٌ أصابنا الجَهدُ فجئنا نمتار فقال لهم لعلكم جئتم عُيوناً فقالوا معاذ الله نحن أخوة من أبي واحد وهو شيخٌ كبيرٌ صدّيق نبيٌّ من الأنبياء اسمُه يعقوبُ قال كم أنتم قالوا كنا اثني عشر فهلك منا واحدٌ فقال كم أنتم قالوا عشرة قال فأين الحادي عشر قالوا هو عند أبيه يتسلّى به عن الهالك قال فمن يشهدُ لكم أنكم لستم عيوناً وأن ما تقولون حقٌ قالوا نحن ببلاد لا يعرِفنا فيها أحد فيشهدَ لنا قال فدعُوا بعضَكم عندي رهينةً وائتوني بأخيكم من أبيكم وهو يحمل رسالةً من أبيكم حتى أصدِّقَكم فاقترعوا فأصاب القرعةُ شمعونَ فخلّفوه عنده إذ لا يساعده ورودُ الأمر بالإتيان به عند التجهيزِ ولا الحثُّ عليه بإيفاء الكيل ولا الإحسانُ في الإنزال ولا الاقتصارُ على منع الكيل على تقدير عمد الإتيان به ولا جعلُ بضاعتهم في رحالهم لأجل رجوعِهم ولا عِدَتُهم بالإتيان به بطريق المراودة ولا تعليلُهم عند أبيهم إرسالَ أخيهم بمنع الكيل من غير ذكر الرسالةِ على أن استبقاء شمعونَ لو وقع لكان ذلك طامةً ينسى عندها كل قيل وقال
﴿أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل﴾ أُتمُّه لكم وإيثارُ صيغة الاستقبالِ مع كون هذا الكلامِ بعد التجهيز للدِلالة عَلى أنَّ ذلكَ عادةٌ له مستمرَّة
﴿وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ جملة حالية أي ألا ترون أني أوفي الكيلَ لكم إيفاءً مستمراً والحالُ أني في غاية الإحسانِ في إنزالكم وضيافتِكم وقد كان الأمرَ كذلك وتخصيصُ الرؤية بالإيفاء لوقوع الخطابِ في أثنائه وأما الإحسانُ في الإنزال فقد كان مستمراً فيما سبق ولحِق ولذلك أُخبر عنه بالجملة الاسميةِ ولم يقله عليه السلام بطريق الامتنانِ بل لحثّهم على تحقيق ما أمرهم به والاقتصارُ في الكيل على ذكر الإيفاءِ لأن معاملته عليه السلام معهم في ذلك كمعاملته مع غيرهم في مراعات مواجبِ العدل وأما الضيافةُ فليس للناس فيها حقٌّ فخصهم في ذلك بما شاء


الصفحة التالية
Icon