يوسف آية (٦٦) وبيانٌ لما يُشعِرُ به الإنكارُ من كونهم فائزين ببعض المطالبِ أو متمكنين من تحصيله فكأنهم قالوا بضاعتُنا حاضرةٌ فنستظهر بها ونمير أهلنا ونحفظ أخانا فما يصيبه شيءٌ من المكاره ونزداد بسببه غيرَ ما نكتاله لأنفسنا كيلَ بعير فأيَّ شيء نبتغي وراءَ هذه المباغي وقرىء ما تبغي على خطاب يعقوبَ عليه السلام أي أيَّ شيء تبغي وراء هذه المباغي المشتملةِ على سلامة أخينا وسَعة ذاتِ أيدينا أو وراءَ ما فعل بنا الملكُ من الإحسان داعياً إلى التوجّه إليه والجملةُ الاستئنافيةُ موضحةٌ لذلك أو أيَّ شيء تبغي شاهداً على صدقنا فيما وصفنا لك من إحسانه والجملةُ المذكورةُ عبارةٌ عن الشاهد المدلولِ عليه بفحوى الإنكارِ وإما نافية فالمعنى ما نبغي شيئاً غيرَ ما رأينا من إحسان الملِك في وجوب المراجعةِ إليه أو ما نبغي غيرَ هذه المباغي وقيل ما نطلب منك بضاعةً أخرى والجملة المستأنفةُ تعليلٌ له وأما إذا فُسِّر البغيُ بمجاوزة الحدِّ فما نافيةٌ فقط والمعنى ما نبغي في القول وما نتزيّد فيما وصفْنا لك من إحسان الملِك إلينا وكرمِه الموجبِ لما ذكر والجملةُ المستأنفةُ لبيان ما ادّعَوْا من عدم البغي وقوله ونمير أهلَنا عطفٌ على ما نبغي أي ما نبغي فيما ذكرنا من إحسانه وتحصيلِ أمثالِه من مَيْر أهلِنا وحفظِ أخينا فإن ذلك أهونُ شيء بواسطة إحسانِه وقد جوز أن يكون كلاماً مبتدأً أي جملةً اعتراضيةً تذييليةً على معنى وينبغي أن نميرَ أهلَنا وشبّه ذلك بقولك سعَيْتُ في حاجة فلان ويجب أن أسعى وأنت خبيرٌ بأن شأن الجملِ التذييلية أن تكون مؤكّدةً لمضمون الصدر ومقرِّرةً له كما في المثال المذكورِ وقولِك فلانٌ ينطِق بالحق فالحقُّ أبلجُ وأن قوله ونمير الخ وإن ساعدَنا في حمله على معنى ينبغي أن نمير أهلَنا بمعزلٍ من ذلك أو ما نبغي في الرأي وما نعدل عن الصواب فيما نشير به عليك من إرسال أخينا معنا والجملُ إلى آخرها تفصيلٌ وبيانٌ لعدم بغيهم وإصابةِ رأيهم أي بضاعتُنا حاضرةٌ نستظهر بها ونمير أهلها ونصنع كيت وذيت فتأمل
﴿قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ﴾ بعدما عاينْتُ منكم ما عاينت
﴿حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مّنَ الله﴾ أي ما أتوثق به من جهةِ الله عزَّ وجل وإنما جعله مَوثِقاً منه تعالى لأن تأكيدَ العهود به مأذونٌ فيه من جهته تعالى فهو إذن منه عز وجل
﴿لَتَأْتُنَّنِى بِهِ﴾ جوابُ القسم إذ المعنى حتى تحلِفوا بالله لتأتنني به
﴿إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ﴾ أي إلا أن تُغلبوا فلا تطيقوا به أو إلا أن تهلِكوا وأصلُه من إحاطة العدوِّ فإن مَنْ أحاط به العدوُّ فقد هلك غالبا وهو استثناءٌ من أعمِّ الأحوالِ أو أعمِّ العلل على تأويل الكلامِ بالنفي الذي ينساق إليه أي لتأتُنني به ولا تمتنِعُنَّ منه في حالٍ من الأحوالِ أو لعلة من العِللِ إلا حالَ الإحاطة بكم أو لعلة الإحاطة بكم ونظيرُه قولُهم أقسمت عليك لَما فعلْتَ وإلا فعلتَ أي ما أريد منك إلا فعلَك وقد جُوز الأولُ بلا تأويل أيضاً أي لتأتُنني به على كل حالٍ إلا حال الإحاطة بكم وأنت تدري أنه حيث لم يكن الإتيانُ به من الأفعال الممتدة الشاملةِ للأحوال على سبيل المعيةِ كما في قولك لألزَمنّك إلا أن تُعطِيني حقي ولم يكن مراده عليه السلام مقارنته على سبيل البدلِ لما عدا الحالِ المستثناة كما إذا قلت صَلِّ إلا أن تكون