جملةٌ حالية من ضمير قالوا جيء بها للدِّلالةِ على انزعاجهم مما سمعوه لمباينته لحالهم
﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ أي تعدَمون تقول فقَدت الشيء إذا عدِمته بأن ضل عنك لا بفعلك والمآل ماذا أضاع عنكم وصيغة المستقبل لاستحضار الصورة وقرىء تُفقِدون من أفقدته إذا وجدته فقيداً وعلى التقديرين فالعدولُ عما يقتضيه الظاهرُ من قولهم ماذا سُرق منكم لبيان كمال نزاهتِهم بإظهار أنه لم يُسْرق منهم شيء فضلاً أن يكونوا هم السارقين له وإنما الممكنُ أن يضيع منهم شيء فيسألونهم أنه ماذا وفيه إرشادٌ لهم إلى مراعاة حسنِ الأدب والاحتراز عن المجازفة ونسبة البُرَآء إلى ما لا خيرَ فيه لا سيما بطريق التوكيد فلذلك غيروا كلامهم حيث
﴿قَالُواْ﴾ فى جوابهم
﴿نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك﴾ ولم يقولوا سرقتموه أو سرق وقريء صاع وصوع وصوع بفتح الصاد وضمها وبإهمال العين وإعجامها من الصياغة ثم قالوا تربية لما تلقوه من قبلهم وإراءة لاعتقاد أنه إنما بقى فى رحلهم اتفاقا
﴿وَلِمَن جَآءَ بِهِ﴾ من عند نفسه مظهراً له قبل التفتيش
﴿حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ من الطعام جعلا له لا على نية تحقيق الوعد لجزمهم بامتناع وجود الشرط وعزمهم على ما لا يَخفْى من أخذ من وجد فى رحله
﴿وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ كفيل أؤديه إليه وهو قول المؤذن
﴿قَالُواْ تالله﴾ الجمهور على أن التاء بدل من الواو ولذلك لاَ تدخلُ إلاَّ على الجلالة المعظمة أو الرب المضاف إلى الكعبة أو الرحمن فى قول ضعيف ولو قلت تالرحيم لم يجز وقيل من الباء وقيل أصل بنفسها وأيا ما كان ففيه تعجب
﴿لَقَدْ عَلِمْتُمْ﴾ علماً جازماً مطابقاً للواقع
﴿مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض﴾ أى لنسرق فإنه من أعظم أنواع الإفساد أو لنفسد فيها أى إفساد كان مما عز أو هان فضلا عما نسبتمونا إليه من السرقة ونفي المجيء للإفساد وإن لم يكن مستلزماً لما هو مقتضى المقام من نفى الإفساد مطلقا لكنهم جعلوا المجيء الذى يترتب عليه ذلك ولو بطريق الاتفاق مجيئاً لغرض الإفساد مفعولا لأجله ادعاء إظهار لكمال قبحه عندهم وتربية لاستحالة صدوره عنهم كما قيل في قوله تعالى ما يبدل القول لدى وَمَا أَنَاْ بظلاَّمٍ لّلْعَبِيدِ الدال بظاهره على نفي المبالغةِ في الظلم دون نفى الظلم فى الجملة الذى هو مقتضى المقام من أن المعنى إذا عذبت من لا يستحق التعذيب كنت ظلاماً مفرطاً فى الظلم فكأنهم قالوا إن صدر عنا إفساد كان مجيئنا لذلك مريدين به تقبيح حاله وإظهار كمال نزاهتهم عنه يعنون أنه قد شاع بينكم فى كرتى مجيئنا ما نحن عليه وقد كانوا على غايةِ ما يكونُ من الديانة والصيانة فيما يأتون ويذرون حتى روى أنهم دخلوا مصر وأفواه رواحلهم مكمومة لئلا تتناول زرعا أو طعاماً لأحد وكانوا مثابرين على فنون الطاعات وعلمتم بذلك أنه لا يصدر عنا إفساد
﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أى ما كنا نوصف بالسرقة قط وإنما حكموا بعلمهم ذلك لأن العلم بأحوالهم الشاهدة يستلزم العلم بأحوالهم الغائبة وإنما لم يكتفوا بنفى الأمرين المذكورين بل استشهدوا بعلمهم بذلك إلزاماً للحجة عليهم وتحقيقاً للتعجب المفهوم من تاء القسم