يوسف الآية (٨٥ ٨٧) على يوسف قال وجْدَ سبعين ثكلى قال فَمَا كَانَ لَهُ مِن الأجر قال أجرُ مائةِ شهيد وما ساء ظنُّه بالله ساعةً قط وفيه دليلٌ على جواز التأسف والبكاءِ عند النوائبِ فإن الكفَّ عن ذلك مما لا يدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ولقد بكى رسول الله ﷺ على ولده آبراهيمَ وقال القلبُ يحزن والعين تدمَع ولا نقول ما يُسخِط الربَّ وإنا عليك يا إبراهيمُ لمحزونون وإنما الذي لا يجوز ما يفعله الجهلةُ من الصياح والنياحة ولطْمِ الخدودِ والصدور وشقِّ الجيوبِ وتمزيقِ الثياب وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أنه بكى على ولد بعضِ بناتِه وهو يجود بنفسه فقيل يا رسول الله تبكي وقد نَهَيتنا عن البكاء فقال ما نهيتهم عن البكاء وإنما نهيتُكم عن صورتين أحمقين صوتٍ عند الفرَح وصوت عند الترَح
﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ مملوءٌ من الغيظ على أولاده مُمسِكٌ له في قلبه لا يُظهره فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله تعالى وَهُوَ مَكْظُومٌ من كظمَ السِّقاءَ إذا شده على ملئه أو بمعنى فاعل كقوله والكاظمين الغيظ من كظم الغيظَ إذا اجترعه وأصله كظم البعيرُ جِرَّتَه إذا ردها في جوفه
﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ﴾ أي لا تفتأ ولا تزال
﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ تفجّعاً عليه فحذف حرف النفي كما في قوله... فَقُلْتُ يَمينُ الله أَبْرَحُ قَاعِداً...
لعدم الالتباس بالإثبات فإن القسمَ إذا لم يكن معه علامةُ الإثبات يكون على النفي البتةَ
﴿حتى تَكُونَ حَرَضاً﴾ مريضاً مُشْفياً على الهلاك وقيل الحَرضُ مَنْ أذابه هم أو مرض وهو في الأصل مصدرٌ ولذلك لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع والنعت منه بالكسر كدنِف وقد قرىء به وبضمتين كجُنُب وغَرِب
﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾ أي الميتين
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى﴾ البثّ أصعبُ الهم الذي لا يصبر عليه صاحبُه فيبثّه إلى الناس أي ينشره فكأنهم قالوا له ما قالوا بطريق التسلية والإشكاءِ فقال لهم إني لا أشكو ما بي إليكم أو إلى غيركم حتى تتصدّوا لتسليتي وإنما أشكو همي
﴿وَحُزْنِى إِلَى الله﴾ تعالى ملتجئاً إلى جنابه متضرِّعاً لدى بابه في دفعه وقري بفتحتين وضمتين
﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تعلمون﴾ من لطفه ورحمته فأرجو أن يرحمني ويلطُفَ بي ولا يُخيِّب رجائي أو أعلمَ وحياً أو إلهاماً من جهته ما لا تعلمون من حياة يوسف قيل رأى ملكَ الموتِ في المنام فسأله عنه فقال هو حي وقيل علم من رؤيا يوسف عليه السلام أنه سيخرّ له أبواه وإخوتُه سجّداً
﴿يا بني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ﴾ أي تعرّفوا وهو تفعُّلٌ من الحَسّ وقرىء بالجيم من الجسّ وهو الطلب أي تطلبوا
﴿مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ أي من خبرهما ولم يذكر الثالثِ لأن غَيبته اختياريةٌ لا يعسُر إزالتها
﴿وَلاَ تيأسوا من رَوْح الله﴾ لا تقنَطوا من فرجه وتنفيسه وقرىء بضم الراء أي من رحمته التي يُحيي بها العبادَ وهذا إرشادٌ لهم إلى بعض ما أُبهم في قولِه وأعلم من الله ما لا


الصفحة التالية
Icon