٩ سورة براءة الآية (٣) لهم ولاستعدادهم فكأن ذلك أمرٌ مطلوبٌ منهم والفاءُ لترتيب الأمرِ بالسياحة وما يعقُبه على ما تؤذن به البراءةُ المذكورةُ من الحِراب على أن الأولَ مترتبٌ على نفسه والثاني بكلا متعلِّقَيْه على عنوان كونِه من الله العزيز لا لترتيب الأولِ عليه والثاني على الأول كما في قوله تعالى قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فَاْنظُرُواْ الخ كأنه قيل هذه براءةٌ موجبةٌ لقتالكم فاسعَوْا في تحصيل العددِ والأسباب وبالغوا في إعتاد العَتادِ من كل باب
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ واعلموا أَنَّكُمْ﴾ بسياحتكم في أقطار الأرضِ في العَرْض والطول وإن ركبتم متن كل صعب وذلول
﴿غَيْرُ مُعْجِزِي الله﴾ أي لا تفوّتونه بالهرب والتحصُّن
﴿وَأَنَّ الله﴾ وُضع الاسمُ الجليلُ موضِعَ المضمر لتربية المهابةِ وتهويلِ أمر الإخزاءِ وهو الإذلالُ بما فيه فضيحةٌ وعار
﴿مُخْزِى الكافرين﴾ أي مخزيكم ومُذِلُّكم في الدنيا بالقتل والأسرِ وفي الآخرة بالعذاب وإيثارُ الإظهارِ على الإضمارِ لذمهم بالكفر بعد وصفهم بالإشراك والإشعار بأن علةَ الإخزاءِ هي كفرُهم ويجوز أن يكون المرادُ جنسَ الكافرين فيدخلُ فيه الخاطبون دخولاً أولياً والمرادُ بالأشهر الأربعةُ هي الأشهرُ الحرمُ التي عُلِّق القتالُ بانسلاخها فقيل هي شوَّالٌ وذو القَعدة وذو الحجة والمحرم وقيل هي عشرون من ذي الحجة والمحرَّمُ وصفرُ وشهرُ ربيعٍ الأول وعشرٌ من شهر ربيعٍ الآخَر وجُعلت حُرَماً لحرمة قتالِهم فيها أو لتغليب ذي الحجة والمحرَّم على البقية وقيل من عشر ذي القعدة إلى عشرٍ من شهر ربيعٍ الأول لأن الحجَّ في تلك السنةِ كان في ذلك الوقت للنسئ الذي كان فيهم ثم صار في العام القابل في ذي الحجة وذلك قوله ﷺ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خَلَقَ الله السمواتِ والارض
روي أنه ﷺ أمر أبا بكرٍ رضيَ الله تعالَى عنه على موسم سنةِ تسعٍ ثم أتبعه علياً رضي الله تعالى عنه على العضباء ليقرأَها على أهل الموسم فقيل له ﷺ لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال ﷺ لا يؤدّي عني إلا رجلٌ مني وذلك لأن عادة العرب أن لا يتولى أمرَ العهد والنقض على القبيلة إلا رجلٌ منها فلما دنا على سمع أبو بكر الرُّغاءُ فوقف فقال هذا رُغاءُ ناقة رسول الله ﷺ فلما لحِقه قال أميرٌ أو مأمورٌ قال مأمورٌ فمضياً فلما كان قبل يوم الترويةِ خطَب أبُو بكرٍ رضيَ الله عنه وحدثهم عن مناسكهم وقام علي رضي الله عنه يومَ النحِر عند جَمرةِ العقبة فقال يأيها الناسُ إني رسولُ رسولِ الله ﷺ إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ثم قال أُمرت بأربعٍ أن لا يقرَبَ البيتَ بعد العام مشركٌ ولا يطوفَ بالبيت عُريانٌ ولا يدخلَ الجنةَ إلا كلُّ نفسٍ مؤمنة وأن يُتمَّ إلى كل ذي عهد عهدُه
﴿وَأَذَانٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾ أي إعلامٌ منهما فعَال بمعنى الإفعال كالعطاء بمعنى الإعطاء ورفعُه كرفع براءةٌ والجملةُ معطوفةٌ على مثلها وإنما قيل
﴿إِلَى الناس﴾ أي كافةً لأن الأذانَ غيرُ مختصٍ بقوم دون آخرين كالبراءة الخاصة