٩ سورة براءة الآية (٩) يكون للمشركين عهدٌ حقيقٌ بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله ﷺ وأما ما قيل من أنه لاستبعاد ثباتِهم على العهد فكما ترى لأن ما يُذكر بصدد التعليلِ للاستبعاد عينُ عدمِ ثباتِهم على العهد لا أنه شيءٌ يستدعيه وإنما أعيد الاستنكارُ والاستبعادُ تأكيداً لهما وتمهيداً لتعداد العللِ الموجبةِ لهما لإخلال تخلّلِ ما في البين من الارتباط والتقريب حذف الفعل المستنكَر للإيذان بأن النفسَ مستحضِرةٌ له مترقِّبةٌ لورود ما يوجب استنكارَه لا لمجرد كونِه معلوماً كما في قوله... وخبّرتماني أنما الموتُ بالقُرى... فكيف وهاتا هضبةٌ وقليبُ...
فإنه علةٌ مصححةٌ لا مرجِّحةٌ أي كيف يكون لهم عهدٌ معتدٌ به عِندَ الله تَعَالَى وعندَ رسولِه صلى الله عليه وسلم
﴿وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ أي وحالُهم أنهم إن يظهروا عليكم أي يظفَروا بكم
﴿لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ﴾ أي لا يُراعوا في شأنكم وأصلُ الرقوبِ النظرُ بطريق الحفظِ والرعايةِ ومنه الرقيبُ ثم استُعمل في مطلق الرعايةِ والمراقبةُ أبلغُ منه كالمراعاة وفي نفي الرقوبِ من المبالغة ما ليس في نفيها
﴿إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ أي حِلفاً وقيل قرابةً ولا عهداً أو حقاً يُعاب على إغفاله مع ما سبق لهم من تأكيد الأَيمان والمواثيقِ يعني أن وجوبَ مراعاةِ حقوقِ العهد على كل من المتعاهدين مشروطٌ بمراعاة الآخَر لها فإذا لم يُراعِها المشركون فكيف تراعونها على منوال قولِ من قال... علامَ تُقبلُ منهم فديةٌ وهم... لا فضةً قبِلوا منّا ولا ذهبا...
وقيل الإلُّ من أسماء الله عزَّ وجلَّ أي لا يُراعوا حقَّ الله تعالى وقيل الجِوار ومآلهُ الحِلفُ لأنهم إذا تماسحوا وتحالفوا رفعوا به أصواتَهم لتشهيره ولما كان تعليقُ عدمِ رعايةِ العهدِ بالظفر موهماً للرعاية عند عدمِه كُشف عن حقيقة شئونهم الجليةِ والخفية بطريق الاستئنافِ وبيِّن أنهم في حالة العجزِ أيضاً ليسوا من الوفاء في شيء وأن ما يُظهرونه مداهنةٌ لا مهادنه فقيل
﴿يُرْضُونَكُم بأفواههم﴾ حيث يُظهرون الوفاءَ والمصافاةَ ويعِدون لكم بالإيمان والطاعةِ ويؤكدون ذلك بالأَيمان الفاجرةِ وتعللون عند ظهورِ خلافِه بالمعاذير الكاذبة ونسبةُ الإرضاءِ إلى الأ فواه للإيذان بأن كلامَهم مجردُ ألفاظٍ يتفوّهون بها من غير أن يكون لها مِصداقٌ في قلوبهم
﴿وتأبى قلوبهم﴾ ما يفيده كلامُهم
﴿وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون﴾ خارجون عن الطاعة فإن مراعاةَ حقوق العهد من باب الطاعةِ متمرِّدون ليست لهم مروءةٌ رادعةٌ ولا عقيدةٌ وزاعة ولا يتسترون كما يتعاطاه بعضُهم ممن يتفادى عن الغدر ويتعفّف عما يجرُّ أحدوثة السوء
﴿اشتروا بآيات الله﴾ بآياته الآمرةِ بالإيفاء بالعهود والاستقامةِ في كل أمرٍ أو بجميع آياتهِ فيدخُل فيها ما ذُكر دخولا أوليا أي تركوها وأخذوا بدلها
﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي شيئاً حقيراً من حُطام الدنيا وهو أهواؤُهم وشهواتُهم التي اتبعوها أو ما أنفقه أبو سفيانَ من الطعام وصَرَفه إلى الأعراب
﴿فَصَدُّواْ﴾ أي عدَلوا ونكبوا منْ صَدَّ صُدوداً أو صرَفوا غيرَهم من صدّ صداً والفاء للِدلالة على سببية الاشتراءِ لذلك
﴿عن سبيله﴾ أي الذين الحق الذي لا محيد عنه والإضافةُ للتشريف أو سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصُدّون الحجّاجَ والعُمّارَ عنه
﴿إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي بئس ما كانوا يعلمونه أو عملُهم المستمرّ والمخصوصُ بالذم محذوفٌ وقد جُوِّز أن تكون كلمةُ ساء على أصلها من التصرف لازمةً بمعنى قبُح أو متعديةً والمفعولُ محذوفٌ أي ساءهم الذي


الصفحة التالية
Icon