٩ سورة براءة الآيات (١٤ ١٦) بمخالفة أمرِه وترك قتالِ أعدائهِ
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فإنَّ قضيةَ الإيمانِ تخصيصُ الخشيةِ به تعالى وعدمُ المبالاة بمن سواه وفيه من التشديد ما لا يخفى
﴿قاتلوهم﴾ تجريدٌ للأمر بالقتال بعد التوبيخِ على تركه ووعدٌ بنصرهم وبتعذيب أعدائِهم وإخزائِهم وتشجيعٌ لهم
﴿يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ﴾ قتلاً وأسراً
﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ أي يجعلُكم جميعاً غالبين عليهم أجمعين ولذلك أُخّر عن التعذيب والإجزاء
﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ ممن لم يشهد القتالَ وهم خُزاعةُ قال ابن عباس رضي الله عنهما هم بطونٌ من اليمن وسبإٍ قدِموا مكةَ فأسلموا فلقُوا من أهلها أذىً كثيراً فبعثوا إلى رسول الله ﷺ يشكون إليه فقال ﷺ أبشِروا فإن الفرجَ قريب
﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ بما كابدوا من المكاره والمكايدِ ولقد أنجز الله سبحانه جميع ما وعدهم به على أجمل ما يكون فكان إخباره ﷺ بذلك قبل وقوعِه معجزةً عظيمة
﴿وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَاء﴾ كلامٌ مستأنفٌ ينبئ عما سيكون من بعض أهلِ مكةَ من التوبة المقبولةِ بحسب مشيئتِه تعالى المبنية على الحكم البالغة فكان كذلك حيث أسلم ناسٌ منهم وحسُن إسلامُهم وقرئ بالنصب بإضمار أن ودخولُ التوبةِ في جملة ما أجيب به الأمرُ بحسب المعنى فإن القتالَ كما هو سبب لفل شوكتِهم وإلانةِ شَكيمتِهم فهو سبب للتدبر في أمرهم وتوبتِهم من الكفر والمعاصي وللاختلاف في وجه السببية غُيِّر السبكُ والله تعالى أعلم
﴿والله﴾ إيثارُ إظهارِ الجلالة على الإضمار لتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة
﴿عَلِيمٌ﴾ لا يَخفى عليهِ خافيةٌ
﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعل ولا يأمر إلا بما فيه حكمةٌ ومصلحةٌ
﴿أم حسبتم﴾ أم منقطعة جئ بها للدِلالة على الانتقال من التوبيخ السابقِ إلى آخَرَ وما فيها من همزة الاستفهامِ الإنكاريِّ توبيخٌ لهم على الحُسبان المذكورِ أي بل أحسِبتم
﴿أَن تُتْرَكُواْ﴾ على ما أنتُم عليهِ ولا تُؤمروا بالجهاد ولا تُبْتلوا بما يُمحِّصكم والخطابُ إما لمن شق عليهم القتالُ من المؤمنين أو للمنافقين
﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا منكم﴾ الواو حالية ولمّا للنفي مع التوقع والمرادُ من نفي العلم نفيُ المعلومِ بالطريق البرهاني إذ لو شُمَّ رائحةُ الوجود لعُلم قطعاً فلما لم يُعلم لزِم عدمُه قطعاً أي أم حسبتم أن تتركوا والحالُ أنه لم يتبين الخُلّصُ من المجاهدين منكم من غيرهم ومَا في لمَّا مِنْ التوقع منبِّهٌ على أن ذلك سيكون وفائدةُ التعبير عما ذكر من عدم التبينِ بعدم علم الله تعالى أن المقصودَ هو التبينُ من حيث كونُه متعلقاً للعلم ومداراً للثواب وعدمُ التعرّضِ لحال المقصّرين لما أن ذلك بمعزل من الاندراج تحت إرادةِ أكرم الأكرمين
﴿وَلَمْ يَتَّخِذُواْ﴾ عطف على جاهدوا داخلٌ في حيز