٩ سورة براءة الآية (١٧) الصلة أو حالٌ من فاعلِه أي جاهدوا حالَ كونِهم غيرَ متّخذين
﴿مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المؤمنين وَلِيجَةً﴾ أي بِطانةً وصاحب سِرّ وهو الذي تُطلعه على ما في ضميرك من الأسرار الخفيةِ من الولوج وهو الدخولُ ومن دون الله متعلق بالاتخاذ إن أبق على حاله أو مفعولٌ ثانٍ له إن جعل بمعنى التسيير
﴿والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي بجميع أعمالكم وقرئ على الغَيبة وهو تذييلٌ يُزيح ما يُتوَهّم من ظاهرِ قولِه تعالى وَلَمَّا يَعْلَمِ الخ أو حال متداخلةٌ من فاعله أو من مفعوله والمعنى وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا منكم والحالُ أنه يعلم جميعَ أعمالِكم لا يَخْفى عليه شيءٌ منها
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ أي ما صح وما استقام لهم على معنى نفي الوجودِ والتحققِ لا نفيِ الجواز كما في قوله تعالى أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ أي ما وقع وما تحقق لهم
﴿أَن يَعْمُرُواْ﴾ عمارةً معتداً بها
﴿مساجد الله﴾ أي المسجدَ الحرامَ وإنما جُمع لأنه قِبلةُ المساجد وإمامُها فعامرُه كعامرها أو لأن كلَّ ناحيةٍ من نواحيه المختلفةِ الجهات مسجدٌ على حياله بخلاف سائرِ المساجدِ إذ ليس في نواحيها اختلافُ الجهةِ ويؤيده القراءةُ بالتوحيد وقيل مَا كَانَ لَهُمْ أَن يعمُروا شيئاً من المساجد فضلاً عن المسجد الحرام الذي هو صدرُ الجنسِ ويأباه أنهم لا يتصَدَّوْن لتعمير سائرِ المساجدِ ولا يفتخرون بذلك على أنه مبنيٌ على كون النفي بمعنى نفي الجوازِ واللياقةِ دون نفي الوجود
﴿شاهدين على أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ﴾ أي بإظهار آثارِ الشركِ من نصب الأوثان حول البيتِ والعبادةِ لها فإن ذلك شهادةٌ صريحةٌ على أنفسهم بالكفر وإن أبَوْا أن يقولوا نحن كفارٌ كما نقل عن الحسن رضي الله عنه وهو حالٌ من الضمير في يعمُروا أي محالٌ أن يكون ما سمَّوْه عمارةً عمارةَ بيتِ الله مع ملابستهم لما ينافيها ويُحبِطها من عبادة غيرِه تعالى فإنها ليست من العمارة في شيء وأما ما قيل من أن المعنى ما استقام لهم أن يجمَعوا بين أمرين متنافيين عمارةِ بيتِ الله تعالى وعبادةِ غيرِه تعالى فليس بمُعربٍ عن كُنه المرامِ فإن عدمَ استقامةِ الجمعِ بين المتنافيَيْن إنما يستدعي انتفاء أحدهما لا بعينه لا انتفاء العمارة الذي هو المقصود
روي أن المهاجرين والأنصارَ أقبلوا على أُسارى بدرٍ يعيِّرونهم بالشرك وطفِق عليٌّ رضي الله تعالى عنه يوبِّخ العباس بقتال النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وقطيعةِ الرحم وأغلظَ له في القول فقال العباس تذكُرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال ولكم محاسنُ قالوا نعم إنا لنعمُر المسجدَ الحرام ونحجّب الكعبة ونسقي الحجيجَ ونفك العاني فنزلت
﴿أولئك﴾ الذين يدّعون عمارةَ المسجدِ وما يضاهيها من أعمال البرِ مع ما بهم من الكفر
﴿حَبِطَتْ أعمالهم﴾ التي يفتخرون بها بما قارنها من الكفر فصارت هباء منثوراً
﴿وَفِى النار هُمْ خالدون﴾ لكفرهم ومعاصيهم وإيرادُ الجملةِ الاسميةِ للمُبالغةِ في الدلالة على الخلود والظرفُ متعلقٌ بالخبر قدم عليه للاهتمام به ومراعاةِ الفاصلة وكلتا الجملتين مستأنفةٌ لتقرير النفيِ السابق
الأولى من جهة نفيِ استتباعِ الثواب والثانيةُ من جهة نفي استدفاع العذاب