للفاعلِ وهو الله سبحانه والمعنى جَعلَ أعمالَهم مشتهاةً للطَّبعِ محبوبةً للنَّفسِ وقيل خَذَلهم حتى حسِبوا قبيحَ أعمالِهم حسناً فاستمروا على ذلك
﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين﴾ هدايةً موصِّلةً إلى المطلوبِ البتةَ وإنما يهديهم إلى ما يوصِلُ إليه عند سلوكِه وهم قد صدّوا عنه بسوء اختيارِهم فتاهوا في تيه الضلال
سورة براءة الآية (٣٨ ٣٩)
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ﴾ رجوعٌ إلى حث المؤمنين وتجريدِ عزائمِهم على قتال الكفرةِ إثرَ بيان طرَفٍ من قبائحهم الموجبةِ لذلك
﴿مَا لَكُمْ﴾ استفهامٌ فيه معنى الإنكارِ والتوبيخ
﴿إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِى سَبِيلِ الله اثاقلتم﴾ تباطأتم وتقاعستم أصلهُ تثاقلتم وقد قرئ كذلك أيُّ شيءٍ حصل أو حاصلٌ لكم أو ما تصنعون حين قال لكم النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم انفِروا أي اخرُجوا إلى الغزو في سبيل الله متثاقلين على أن الفعلَ ماضٍ لفظاً مضارعٌ معنىً كأنه قيل تتثاقلون فالعاملُ في الظرف الاستقرارُ المقدرُ في لكم أو معنى الفعلِ المدلولِ عليه بذلك ويجوز أن يعملَ فيه الحالُ أي ما لكم متثاقلين حين قيل لكم انفروا وقرئ أَثّاقلتم على الاستفهام الإنكاريِّ التوبيخيِّ فالعاملُ في الظرف حينئذ إنما هو الأول
﴿إِلَى الارض﴾ متعلقٌ باثاقلتم على تضمينه معنى المَيْلِ والإخلاد أي اثاقلتم ماثلين إلى الدنيا وشهواتِها الفانيةِ عما قليل وكرِهتم مشاقَّ الغزو ومتاعبه المستتبعة للراحلة الخالدة كقوله تعالى أَخْلَدَ إِلَى الارض واتبع هَوَاهُ أو إلى الإقامة بأرضكم وديارِكم وكان ذلكَ في غزوةِ تبوكَ في سنة عشرٍ بعد رجوعِهم من الطائف استُنفِروا في وقت عُسرةٍ وقَحطٍ وقَيْظ وقد أدركت ثمارُ المدينة وطابت ظلالُها مع بعد الشُّقةِ وكثرةِ العدوِّ فشق عليهم ذلك وقيل ما خرج رسول الله ﷺ في غزوة غزاها إلا ورَّى بغيرها إلا في غزوة تبوك فإنه ﷺ بيّن لهم المقصِدَ فيها ليستعدوا لها
﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وغرورِها
﴿مِنَ الاخرة﴾ أي بدلَ الآخرة ونعيمِها الدائم
﴿فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا﴾ أظهر في مقام الإضمارِ لزيادة التقرير أي فما التمتعُ بها وبلذائذها
﴿فِى الاخرة﴾ أي في جنب الآخرة
﴿إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ أي مستحقَرٌ لا يُؤبَه له وفي ترشيح الحياةِ الدنيا بما يؤذن بنفاستها ويستدعي الرغبةَ فيها وتجريدِ الآخرة عن مثل ذلك مبالغةٌ في بيان حقارة الدنيا ودناءتِها وعِظَمِ شأن الآخرة وعلوها
سورة براءة الآية ٣٩
﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ﴾ أي إن لا تنفِروا إلى ما استُنفرتم إليه
﴿يُعَذّبُكُم﴾ أي الله عزَّ وجلَّ
﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي يُهلكْكم بسبب فظيعٍ هائل كقَحط وحوه
﴿وَيَسْتَبْدِلْ﴾ بكم بعد إهلاكِكم
﴿قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ وصفهم بالمغايرة لهم لتأكيد الوعيدِ والتشديد في التهديد بالدِلالة على المغايرةِ الوصفيةِ والذاتيةِ المستلزِمة للاستئصال أي قوماً مطيعين مُؤْثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامِكم كأهل اليمنِ وأبناءِ فارسَ وفيه من الدِلالة على


الصفحة التالية
Icon