فله وإنّ تكريرٌ للأولى تأكيداً لطول العهدِ لا من باب التأكيدِ اللفظيِّ المانعِ للأولى من العمل ودخولُ الفاءِ كما في قول من قال... لقد علم الحيُّ اليمانُونَ أنني... إذا قلتُ أما بعدُ أني خطيبُها...
وقد جوز أن يكون فإن له معطوفاً على أنه وجوابُ الشرط محذوفٌ تقديرُه ألم يعلموا أنه من يحاددِ الله ورسولَه يهلِكْ فإن له الخ ورُدّ بأن ذلك إنما يجوز عند كونِ فعلِ الشرط ماضياً أو مضارعاً مجزوماً بلم
﴿خَالِداً فِيهَا﴾ حالٌ مقدرةٌ من الضمير المجرورِ إن اعتُبر في الظرف ابتداءُ الاستقرار وحدوثُه وإن اعتبر مطلقُ الاستقرارِ فالأمرُ ظاهر
﴿ذلك﴾ أشير إلى ما ذكر من العذاب الخالدِ بذلك إيذاناً ببُعد درجتِه في الهول والفظاعةِ
﴿الخزى العظيم﴾ الخزي الذل والهو أن المقارِنُ للفضيحة والندامة وهي ثمراتُ نفاقِهم حيث يفتضحون على رءوس الأشهادِ بظهورها ولُحوقِ العذاب الخالدِ بهم والجملةُ تذييلٌ لما سبق
سورة براءة آية (٦٤ ٦٥)
﴿يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ في شأنهم فإن ما نزل في حقهم نازلٌ عَلَيْهِمْ
﴿سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم﴾ من الأسرار الخفيةِ فضلاً عما كانوا يُظهِرونه فيما بينهم من أقاويل الكفرِ والنفاقِ ومعنى تَنْبئتِها إياهم بما في قلوبهم مع أنه معلومٌ لهم وأن المحذورَ عندهم إطلاعُ المؤمنين على أسرارهم لا إطلاعُ أنفسِهم عليها أنها تُذيع ما كانوا يُخفونه من أسرارهم فتنتشرُ فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجالِ مُذاعةً فكأنها تخبرهم بها أو المرادُ بالتنبئة المبالغةُ في كون السورة مشتملةً على أسرارهم كأنها تعلم من أحوالهم الباطنةِ ما لا يعلمونه فتنبئهم بها وتنعي عليهم قبائحَهم وقيل معنى يحذر لِيحذر وقيل الضمير أن الأولان للمؤمنين والثالث للمنافقين ولا يبالى بالتفكيك عند ظهورِ الأمرِ بعَوْد المعنى إليه أي يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ على المؤمنين سورةٌ تخبرهم بما في قلوب المنافقين وتهتِك عليهم أستارَهم قال أبو مسلم كان إظهارُ الحذرِ منهم بطريق الاستهزاءِ فإنهم كانوا إذا سمعوا رسولَ الله ﷺ يذكر كلَّ شيء ويقول إنه بطريق الوحي يكذبونه ويستهزئون به ولذلك قيل
﴿قل استهزؤوا﴾ أي افعلوا الاستهزاءَ وهو أمر تهديد
﴿إِنَّ الله مُخْرِجٌ﴾ أي من القوةِ إلى الفعلِ أو من الكُمون إلى البروز
﴿مَّا تَحْذَرُونَ﴾ أي ما تحذرونه من إنزال السورةِ ومن مخازيكم ومثالبِكم المستكنةِ في قلوبكم الفاضحةِ لكم على ملأ الناسِ والتأكيدُ لرد إنكارِهم بذلك لا لدفع ترددِهم في وقوع المحذورِ إذ ليس حذرُهم بطريق الحقيقة
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ عما قالوا
﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ونلعب﴾ روى أنه ﷺ كان يسير في غزوة تبوكَ وبين يديه ركبٌ من المنافقين يستهزئون بالقرآن وبالرسول ﷺ ويقولون انظُروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتحَ حُصون الشامِ وقصورَها هيهاتَ هيهات فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك فقال احبِسوا على الركب فأتاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبيَّ الله لا والله ما كنا في شيء من أمرك ولا من أمر أصحابِك ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركبُ ليقصُرَ بعضنا على بعض السفر
﴿قُلْ﴾ غيرَ ملتفتٍ إلى اعتذارهم ناعياً


الصفحة التالية
Icon