النحل ٢٨ ٢٩ المعتادُ في إخباره سبحانه وتعالى كقوله وَنَادَى أصحاب الجنة ونادى أصحاب الأعراف ﴿إِنَّ الخزى﴾ الفضيحةَ والذل والهوان ﴿اليوم﴾ منصوبٌ بالخزي على رأي من يرى إعمالَ المصدرِ المصدّر باللام أو بالاستقرار في الظرف وفيه فصلٌ بين العامل والمعمول بالمعطوف إلا إنه مغتفر في الظروف وإبراده للإشعار بأنهم كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ في عزّة وشِقاق ﴿والسوء﴾ العذاب ﴿عَلَى الكافرين﴾ بالله تعالى وبآياته ورسله
﴿الذين تتوفاهم الملائكة﴾ بتأنيث الفعل وقرئ بتذكيره وبإدغام التاء في التاء والعدولُ إلى صيغة المضارعِ لاستحضار صورةِ توفِّيهم إياهم لما فيها من الهول والموصولُ في محل الجرِّ على أنه نعتٌ للكافرين أو بدلٌ منه أوفى محل النصبِ أو الرفع على الذم وفائدتُه تخصيصُ الخزي والسوءِ بمن استمر كفرُه إلى حينِ الموت دون مَن آمن منهم ولو في آخر عُمره أي على الكافرين المستمرين على الكفر إلى أن يتوفاهم الملائكة ﴿ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ﴾ أي حالَ كونهم مستمرين على الكفر فإنه ظلمٌ منهم لأنفسهم وأيُّ ظلم حيث عرّضوها للعذاب المخلّد وبدّلوا فطرةَ الله تبديلاً ﴿فَأَلْقَوُاْ السلم﴾ أي فيُلقون والعدولُ إلى صيغة الماضي الدلالة على تحقق الوقوعِ وهو عطف على قوله تعالى وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِىَ وما بينهما جملةٌ اعتراضية جيء بها تحقيقاً لما حاق بهم من الخزي على رؤوس الأشهادِ أي فيُسالمون ويتركون المُشاقّةَ وينزِلون عما كانُوا عليهِ في الدُّنيا من الكِبْر وشدةِ الشكيمة قائلين ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ﴾ في الدنيا ﴿مِن سُوء﴾ أي من شرك قالوه منكِرين لصدوره عنهم كقولهم والله رَبّنَا مَا كُنَّا مشركين وإنما عبر واعنه بالسوء اعترافاً بكونه سيئاً لا إنكاراً لكونه كذلك مع الاعتراف بصدوره عنهم ويجوز أن يكون تفسيراً للسَّلَم على أن يكون المرادُ به الكلامَ الدالَّ عليه وعلى التقديرين فهو جوابٌ عن قوله سبحانه أين شركائي في سورة الأنعام لا عن قول أولي العلمِ ادعاءً لعدم استحقاقهم لما دهمهم من الخزي والسوء ﴿بلى﴾ رد عليهم من قِبل أولي العلم وإثباتٌ لما نفَوْه أي بلى كنتم تعملون ما تعملون ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فهو يجازيكم عليه وهذا أوانُه
﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ أي كل صنف بابه المعدلة وقيل أبوابُها أصنافُ عذابها فالدخولُ عبارةٌ عن الملابسة والمقاساة ﴿خالدين فِيهَا﴾ إن أريد بالدخول حدوثُه فالحال مقدّرة وإن أريد مطلقُ الكون فيها فهي مقارِنة ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ عن التوحيد كما قال تعالى قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ وذكرُهم بعنوان التكبر للإشعار بعلّيته لثُوائهم فيها والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي جهنم وتأويلُ قولهم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء بأنا ما كنا عاملين ذلك في اعتقادنا رَوْماً للمحافظة على أن لا كذِبَ ثمة يرده الردُّ المذكور وما فيه سورة الأنعام من قوله تعالى انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أنفسهم