٦ - ﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ﴾ أي أهلُ مكة وهو بيانٌ لفنٍ آخرَ من كفرهم والعدولُ عن الإضمار إلى الموصول لتقريعهم بما في حيز الصلة وذمِّهم بذلك من أول الأمر ﴿لَوْ شآء الله ما عبدنا مِن دُونِهِ مِن شَىْء﴾ أيْ لو شاءَ عدمَ عبادتِنا لشيء غيرِه كما تقول لما عبدنا ذلك ﴿نحن ولا آباؤنا﴾ الذي نقتدي بهم في ديننا ﴿وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء﴾ من السوائب والبحائرِ وغيرِها وإنما قالوا ذلك تكذيبا للرسول ﷺ وطعناً في الرسالة رأساً متمسكين بأن ما شاء الله تعالى يجب وما لم يشأْ يمتنع فلو أنه شاء أن نوحّده وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا نحرِّمَ مما حرمنا شيئاً كما يقول الرسلُ وينقُلونه من جهةِ الله عزَّ وجل لكان الأمرُ كما شاء من التوحيد ونفي الإشراكِ وما يتبعهما وحيث لم يكن كذلك ثبت أنه لم يشأ شيئاً من ذلك وإنما يقوله الرسل من تلقاء أنفسهم فأجيب عنه بقوله عز وجل ﴿كذلك﴾ أي مثلَ ذلك الفعلِ الشنيع ﴿فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِم﴾ من الأمم أي أشركوا بالله وحرموا حِلَّه وردوا رسلَه وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ وهدوهم إلى الحق ﴿فَهَلْ عَلَى الرسل﴾ الذين يُبَلّغُونَ رسالاتِ الله وعزائمَ أمره ونهيِه ﴿إِلاَّ البلاغ المبين﴾ أي ليست وظيفتُهم إلا تبليغَ الرسالة تبليغاً واضحاً أو موضَّحاً وإبانةً طريقَ الحق وإظهارَ أحكام الوحي الذي من جملتها تحتّمُ تعلقِ مشيئةِ الله تعالى باهتداء من صرف قدرته واختباره إلى تحصيل الحق لقوله تعالى والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وأما إلجاؤهم إلى ذلك وتنفيذُ قولِهم عليهم شاءوا أو أبواكما هو مقتضى استدلالِهم فليس ذلك من وظيفتهم ولا من الحكمةِ التي عليَها يدورُ أمرُ التكليفِ في شيء حتى يُستدلَّ بعدم ظهور آثارِه على عدم حقيقة الرسلِ أو على عدم تعلقِ مشيئتِه تعالى بذلك فإن ما يترتب عليه الثوابُ والعقابُ من أفعال العباد لابد في تعلق مشيئتِه تعالى بذلك فإن ما يترتب عليه الثواب والعقاب من أفعال العباد لابد في تعلق مشيئتِه تعالى بوقوعه من مباشرتهم الاختياريةِ له وصرفِ اختيارِهم الجزئيِّ إلى تحصيله وإلا لكان الثواب والعقاب اضطراريَّيْن فالفاءُ للتعليل كأنه قيل كذلك فعل أسلافهم وذلك باطل فإن الرسلَ ليس شأنُهم إلا تبليغَ أوامرِ الله تعالى ونواهيه لا تحقيقَ مضمونِهما وإجراءَ موجبهما على الناس قسرا وإلجاء وإبراد كلمة على للإيذان بأنهم في ذلك مأمورون أو بأن ما يبلغونه حقٌّ للناس عليهم إيفاؤه وبهذا ظهر أن حملَ قولِهم لَوْ شَاء الله الخ على الاستهزاء لا يلائم الجواب والله تعالى أعلم بالصواب
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً﴾ تحقيقٌ لكيفية تعلقِ مشيئتِه تعالى بأفعال العبادِ بعد بيانِ أن الإلجاءَ ليس من وظائف الرسالةِ ولا من باب المشيئةِ المتعلقةِ بما يدور عليه الثواب والعقاب من الأفعال الاختياريةِ لهم أي بعثنا فى كُلّ أمَّةٍ منَ الأممِ الخالية رسولاً خاصة بهم ﴿أَنِ اعبدوا الله﴾ يجوز أن تكونَ أنْ مفسرةً لما في البعث من معنى القول وأن تكون مصدريةً أي بعثنا بأن اعبدوا الله حده ﴿واجتنبوا الطاغوت﴾