النحل ٥٠ ٥٢ على ما في السموات عطفَ جبريلَ على الملائكة تعظيماً وإجلالاً أو على أنْ يُرادَ بما في السموات الخلْقُ الذي يقال له الروح أو يراد به ملائكةُ السموات وبقوله والملائكةُ ملائكةُ الأرض من الحفَظة وغيرِهم ﴿وَهُمْ﴾ أي الملائكةُ مع علو شأنِهم ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَنْ عِبَادَتِهِ عز وجل والسجود له وتقديمُ الضمير ليس للقصر والجملةُ إما حالٌ من ضمير الفاعل في يسجد مسندٌ إلى الملائكة أواستئناف أخبر عنهم بذلك
﴿يخافون رَبّهِمْ﴾ أي مالكَ أمرِهم وفيه تربيةٌ للمهابة وإشعارٌ بعلة الحكم ﴿مّن فوقهم﴾ أي يخافون جل وعلا خوفَ هيبةٍ وإجلالٍ وهو فوقهم بالقهر كقوله تعالى وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ أو يخافون أن يرسِل عليهم عذاباً من فوقهم والجملةُ حالٌ منَ الضميرِ في لا يستكبرون أو بيانٌ له وتقريرٌ لأن من يخاف الله سبحانه لا يستكبر عن عبادته ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ أي ما يُؤمرونَ بهِ من الطاعات والتدبيرات وإيرادُ الفعل مبنياً للمفعول جرْيٌ على سَنن الجلالة وإيذان بعدمِ الحاجة إلى التَّصريحِ بالفاعل لاستحالة استنادِه إلى غيره سبحانه وفيه أن الملائكة مكلّفون مُدارون بين الخوف والرجاء وبعد ما بُيّن أن جميعَ الموجودات يخصون الخضوع والانقياد الطبيعي ومَا يَجري مَجراه من عبادة الملائكة حيث لا يتصور منهم عدم الانقياد أصلا لله عز وجل أُردف ذلك بحكاية نهْيِه سبحانه وتعالى للمكلفين عن الإشراك فقيل
﴿وقال الله﴾ عطفا على قوله ولله يسجد وإظهارُ الفاعل وتخصيصُ لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه متعيِّنُ الألوهية وإنما المنهيُّ عنه هو الإشراكُ به لا أن المنهيَّ عنه مطلقُ اتخاذِ إلهين بحيث يتحقق الانتهاءُ عنه برفض أيِّهما كان أي قال تعالى لجميع المكلفين ﴿لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين﴾ وإنما ذُكر العددُ مع أن صيغة التثنيةِ مغنيةٌ عن ذلكَ دلالةٌ على أنَّ مساق النهي هي الاثنَيْنيّة وأنها منافيةٌ للألوهية كما أن وصفَ الإله بالوَحدة في قولِه تعالى ﴿إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ﴾ لدلالة على أن المقصودَ إثباتُ الوحدانية وأنها من لوازم الإلهية وأما الإلهية فأمرٌ مسلَّمُ الثبوت له سبحانه وإليه أشير حيث أُسند إليه القول وفيه التفاتٌ منَ التكلمِ إلى الغَيبةِ على رأي من اكتفى في تحقق الالتفاتِ بكون الأسلوب الملتفَتِ عنه حقَّ الكلام ولم يشترِط سبقَ الذكرِ على ذلك الوجه ﴿فإياي فارهبون﴾ التفاتٌ من الغَيبةِ إلى التَّكلمِ لتربية المهابةِ وإلقاءِ الرهبة في القلوب ولذلك قدم وكرر الفعلَ أي إن كنتم راهبين شيئاً فإيايَ ارهبوا فارهبوا لا غيرُ فإني ذلك الواحدُ الذي يسجُد لَّهُ مَا فِي السموات والارض
﴿وله ما في السماوات والأرض﴾ خلقاً ومُلكاً تقريرٌ لعلة انقيادِ ما فيها له سبحانه خاصة وتحقيقٌ لتخصيص الرهبة به تعالى وتقديم الظرف لتقوية ما في اللام من معنى الاختصاصِ وكذا في قولِه تعالى ﴿وَلَهُ الدين﴾ أي الطاعةُ والانقياد ﴿وَاصِبًا﴾ أي واجباً ثابتاً لا زوالَ له لِما تقرّر أنه الإله وحده الحقيقُ بأن يُرهَبَ وقيل واصباً من الوصب أي وله الدين ذا كلفة وقيل الدينُ الجزاءُ أي وله