النحل ٥٣ ٥٥ الجزاءُ الدائمُ بحيث لا ينقطع ثوابُه لمن آمن وعقابُه لمن كفر ﴿أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه السياقُ أي أعقيب تقرر الشئون المذكور من تخصيص جميعِ الموجودات للسجود به تعالى وكونِ ذلك كلِّه له ونهيِه عن اتخاذ الأندادِ وكونِ الدين له واصباً المستدعي ذلك لتخصيص التقوى به سبحانه غير الله الذي شأنُه ما ذكر تتقون فتطيعون
﴿وَمَا بِكُم﴾ أيُ أيُّ شيءٍ يلابسكم ويصاحبكم ﴿مِن نّعْمَةٍ﴾ أية نعمةٍ كانت ﴿فَمِنَ الله﴾ فهي من الله فما شرطيةٌ أو موصولةً متضمنة لمعنى الشَّرطِ باعتبار الإخبارِ دون الحصول فإن ملابسةَ النعمةِ بهم سببٌ للإخبار بأنها منه تعالى لا لكونها منه تعالى ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر﴾ مساما يسيرا ﴿فإليه تجأرون﴾ تتضرعون في كشفه لا إلى غيره والجُؤار رفعُ الصوت بالدعاء والاستغاثة قال الأعشى... يرواح من صلوات المليك... طوراً سجوداً وطوراً جؤارا...
وقرئ تَجَرون بطرح الهمزة وإلقاءِ حركتِها إلى ما قبلَها وفي ذكر المساس المنبئ عن أدنى إصابةٍ وإيرادِه بالجملة الفعلية المعربةِ عن الحدوث مع ثم الدالةِ على وقوعه بعد برهةٍ من الدهر وتحليةِ الضُّر بلام الجنس المفيدةِ لمساس أدنى ما ينطلق عليه اسمُ الجنس مع إيراد النعمةِ بالجملة الاسميةِ الدالةِ على الدوام والتعبير عن ملابستها للمخاطبين بباء الصاحبة وإيرادِ ما المعربةَ عن العموم مالا يخفى من الجزالة والفخامة ولعل إيرادَ إذا دون إن للتوسل به إلى تحقق وقوع الجواب
﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عنكم﴾ وقرئ كاشَفَ الضر وكلمةُ ثم ليست للدلالة على تمادي زمانِ مِساس الضرّ ووقوعِ الكشفِ بعد برهة مديدةٍ بل للدلالة على تراخي رتبةِ ما يترتبُ عليه من مفاجأة الإشراك المدلولِ عليها بقوله سبحانه ﴿إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ فإنّ ترتبها على ذلك في أبعد غايةٍ من الضلال ثم إن وُجّه الخطابُ إلى الناس جميعاً فمِن للتبعيض والفريقُ فريقُ الكفرة وإن وجه إلى الكفرة فمن للبيان كأنه قيل إذا فريق كافر وهم أنتم ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر وازدجر كقوله تعالى فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ فمن تبعيضية أيضا التعرض لوصف الربوبية للإيذان بكمال قبحِ ما ارتكبوه من الإشراك والكفر ان
﴿ليكفروا بما آتيناهُم﴾ من نعمةِ الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضَهم في الشرك كفر ان النعمة وإنكارَ كونها من الله عز وجل ﴿فَتَمَتَّعُواْ﴾ أمرُ تهديد والالتفاتُ إلى الخطابِ للإيذانِ بتناهي السخط وقرئ بالياء مبنياً للمفعول عطفاً على ليكفروا على أن يكون كفرانُ النعمة والتمتعُ غرضاً لهم من الإشراك ويجوز أن يكون اللامُ لامَ الأمرِ الواردِ للتهديد ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبةَ أمرِكم وما ينزل بكم من العذاب وفيه وعيدٌ أكيدٌ منبىءٌ عن أخذٍ شديد حيث لم يُذكر المفعولُ إشعاراً بأنه مما لا يوصف