النحل ٦٣ ٦٥ أي يُثْبتون له سبحانه وينسُبون إليه في زعمهم ﴿مَا يَكْرَهُونَ﴾ لأنفسهم مما ذكر وهو تكريرٌ لما سبق تثنيةً للتقريع وتوطئةً لقوله تعالى ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب﴾ أي يجعلون له تعالى ما يجعلون ومع ذلك تصف ألسنتهم الكذب وهو ﴿أَنَّ لَهُمُ الحسنى﴾ العاقبةَ الحسنى عند الله تعالَى كقولِه وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى وقرئ الكُذُبُ وهو جمع الكَذوب على أنه صفةُ الألسنة ﴿لاَ جَرَمَ﴾ رد لكلامهم ذلك وإثباتٌ لنقيضه أي حقا ﴿أن لهم﴾ مكانه ما أمّلوا من الحسنى ﴿النار﴾ التي ليس وراءَ عذابها عذابٌ وهي عَلَمٌ في السُّوآى ﴿وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ﴾ أي مقدَّمون إليها من أفرطتُه أي قدّمتُه في طلب الماء وقيل مَنْسيّون من أفرطتُ فلاناً خلفي إذا خلفته ونسيته وقرئ بالتشديد وفتح الراء من فرَّطتُه في طلب الماء وبكسر الراء المشددة من التفريط في الطاعات وبكسر المخففة من الإفراط في المعاصي فلا يكونانِ حينئذ من أحوالهم الأخروية كما عطف عليه
﴿تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ﴾ تسليةٌ لرسول الله ﷺ عما يناله من جهالات الكفرةِ ووعيدٌ لهم على ذلك أي أرسلنا إليهم رسلاً فدعَوْهم إلى الحق فلم يجيبوا إلى ذلك ﴿فزين لهم الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾ القبيحةَ فعكفوا عليها مُصِرّين ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ﴾ أي قرينُهم وبئس القرينُ ﴿اليوم﴾ أي يوم زين لهم الشيطانُ أعمالهم فيه على طريق حكاية الحال الماضيةِ أو في الدنيا أو يومَ القيامةِ على طريق حكايةِ الحال الآتية وهي حالُ كونهم معذبين في النار والوليُّ بمعنى الناصر أي فهو ناصرهم اليوم لا ناصرَ لهم غيرُه مبالغةً في نفي الناصرِ عنهم ويجوزُ أنْ يكونَ الضميرُ عائداً إلى مشركي قريش والمعنى زيّن للأمم السالفة أعمالَهم فهو وليُّ هؤلاء لأنهم منهم وأن يكون على حذفِ المضافِ أي وليُّ أمثالهم ﴿وَلَهُمْ﴾ فى الأخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ هو عذابُ النار
﴿وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب﴾ أي القرآنَ ﴿إِلاَّ لِتُبَيّنَ﴾ استثناء مفرغ من أعم العلل أي ما أنزلنا عليك لعلّةٍ من العلل إلا لتبين ﴿لَهُمْ﴾ أي للناس ﴿الذى اختلفوا فِيهِ﴾ من التوحيد والقدَر وأحكامِ الأفعال وأحوال المعاد ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ معطوفان على محل لتبين أي وللهداية والرحمة ﴿لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ وإنما انتصبا لكونهما أثرَيْ فاعلِ الفعل المعلل بخلاف التبين حيث لم ينتصِبْ لفقدان شرطِه ولعل تقديمَه عليهما لتقدُّمه في الوجود وتخصيصُ كونهما هدًى ورحمةً بالمؤمنين لأنهم المغتنِمون آثارَه
﴿والله أَنزَلَ مِنَ السماء﴾ من السحاب أو من جانب السماء حسبما مرّ وهذا تكرير لما سبق تأكيداً لمضمونه وتوطئةً لما يعقُبه من أدلة التوحيد ﴿مَاء﴾ نوعاً خاصاً من الماء هو المطرُ وتقديمُ المجرور على المنصوب لما مر مرارا


الصفحة التالية
Icon