النحل ١٠٧ ١٠٨ من كفر بآيات الله بعد ما آمن بها بعد بيانِ حالِ مَن لم يؤمن بها رأساً ومَنْ موصولةٌ ومحلُّها الرفعُ على الابتداءِ والخبرُ محذوفٌ لدِلالة الخبرِ الآتي عليه أو هو خبرٌ لهما معاً أو النصبُ على الذم ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ على ذلك بأمر يخاف على نفسه أو على عضو من أعضائه وهو استثناءٌ متّصلٌ من حكم الغضبِ والعذاب أو الذمّ لأن الكفرَ لغة يتم بالقول كما أشير إليه وقوله تعالى ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان﴾ حالٌ من المستثنى والعاملُ هو الكفرُ الواقع بالإكراه لا نفس الاكراه لأن مقارنةَ اطمئنان القلبِ بالإيمان للإكراه لا تجدي نفعاً وإنما المجدي مقارنتُه للكفر الواقعِ به أي إلا مَنْ كفر بإكراه من إلا من أكره فكفروا والحالُ أن قلبه مطمئنٌّ بالإيمان لم تتغير عقيدتُه وإنما لم يصرح به إيماءً إلى أنه ليس بكفر حقيقة وفيه دليلٌ على أنَّ الإيمانَ هو التصديقُ بالقلب ﴿ولكن مَّن﴾ لم يكن كذلك بل ﴿شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ أي اعتقده وطاب به نفساً ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ عظيم لا يُكتنه كُنهه ﴿مِنَ الله﴾ إظهارُ الاسمِ الجليلِ لتربية المهابة وتقوية تعظيم العذاب ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ إذ لا جُرم أعظمُ من جرمهم والجمعُ في الضميرين المجرورين لمراعاة جانبِ المعنى كما أن الإفراد في المستكنّ في الصلة لرعاية جانب اللفظ روى أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا وسمية على الارتداد فأباه أبواه فربطوا سمية بين بعيرين ووجئت بحربة في قبلها وقالوا إنما أسلمت من أجل الرجال فقتلوها وقتلوا يسارا وهما أول قتيلين في الإسلام وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوا عليه فقيل يا رسولَ الله إنَّ عمارا كفر فقال رسول الله ﷺ كلا إن عمارا مليء إيمانا من قَرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله ﷺ وهو يبكي فجعل رسول الله ﷺ يمسح عينيه وقال مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت وهو دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه الملجئ وإن كان الأفضل أن يتجنب عنه إعزازا للدين كما فعله أبواه وروى أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين فقال لأحدهما ما تقول في محمد قال رسول الله قال فما تقول في قال أنت أيضا فخلاه وقال للآخر ما تقول في محمد قال رسول الله قال فما تقول في قال أنا أصم فأعاد ثلاثا فأعاد جوابه فبلغ رسول الله ﷺ فقال أما الأول فقد أخذ برخصة وأما الثاني فقد صدع بالحق
﴿ذلك﴾ إشارةٌ إلى الكفر بعد الإيمان أو إلى الوعيد المذكور ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿استحبوا الحياة الدنيا﴾ آثروها ﴿على الاخرة وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى﴾ إلى الإيمان وإلى ما يوجب الثبات عليه هداية قسروا إلجاء ﴿القوم الكافرين﴾ في علمه المحيطِ فلا يعصمهم عن الزيغ وما يؤدِّي إليهِ من الغضب والعذابِ العظيم ولولا أحدا لأمرين إما إيثارُ الحياة الدنيا على الآخرة وإما عدمُ هدايةِ الله سبحانه للكافرين هدايةَ قسرٍ بأن آثروا الآخرة على الدنيا أو بأن هداهم الله تعالى هدايةَ قسرٍ لَما كان ذلك لكنّ الثانيَ مخالفٌ للحكمة والأولُ مما لا يدخُل تحت الوقوعِ وإليه أشير بقوله تعالى
﴿أولئك﴾ أي أولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح ﴿الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وأبصارهم﴾ فأبت عن إدراك الحقِّ والتأمل فيه ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون﴾