الإسراء ٢ فحدِّثْهم فمن مصفّق وواضعٍ يدَه على رأسه تعجباً وإنكاراً وارتد ناسٌ ممن كان آمن به وسعى رجالٌ إلى أبي بكر فقال إن كان قال ذلك لقد صدق قالوا أتصدّقه على ذلك قال إني أصدقه على أبعدَ من ذلك فسُمِّيَ الصِّديقُ وكان فيهم من يعرف بيت المقدس فاستنعتوه المسجدَ فجُلِّي له بيتُ المقدس فطفِق ينظر إليه وينعته لهم فقالوا أما النعتُ فقد أصابه فقالوا أخبِرْنا عن عِيرنا فأخبرهم بعدد جمالِها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمُها جملٌ أورَقُ فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية فقال قائل منهم هذه والله الشمسُ قد أشرقت فقال آخرُ هذه والله العِيرُ قد أقبلت يقدمها جملٌ أورقُ كما قال محمد ثم لم يؤمنوا قاتلهم الله أنَّي يُؤفكون واختُلف في وقته أيضاً فقيل كان قبل الهجرةِ بسنة وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعثة واختلف أيضاً أنه في اليقظة أو في المنام فعن الحسن أنه كان في المنام وأكثرُ الأقاويل بخلافه والحق أنه كان في المنام قبل البعثة وفي اليقظة بعدها واختُلف أيضاً أنه كان جُسمانياً أو روحانياً فعن عائشةَ رضيَ الله عنها أنها قالت ما فُقِد جسد رسول الله ﷺ ولكن عُرج بروحه وعن معاوية أنه قال إنما عُرج بروحه والحقُّ أنه كان جُسمانياً على ما ينبئ عنه التصديرُ بالتنزيه وما في ضمنه من التعجب فإن الروحانيَّ ليس في الاستبعاد والاستنكار وخرقِ العادةِ بهذه المثابة ولذلك تعجبت منه قريشٌ وأحالوه ولا استحالة فيه فإنه قد ثبت في الهندسة أن قُطرَ الشمس ضِعفَ قطرِ الأرض مائة ونيفاً وستين مرة ثم إن طرفها الأسفلَ يصل إلى موضع طرفِها الأعلى بحركة الفَلك الأعظمِ مع معاوقة حركةِ فلكِها لها في أقلَّ من ثانية وقد تقرر أن الأجسام متساويةٌ في قَبول الأعراضِ التي من جملتها الحركةُ وأن الله سبحانه قادرٌ على كلَّ ما يحيطُ بهِ حيطة الإمكان فيقدر على أن يخلق يخلق مثل تلك الحركةَ بل أسرعَ منها في جسد النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أو فيما يحمِله ولو لم يكن مستبعداً لم يكن معجزة ﴿إلى المسجد الأقصى﴾ أي بيتِ المقدس سُمي به إذ لم يكن حينئذ وراءه مسجدٌ وفي ذلك من تربية معنى التنزيه والتعجب مالا يخفى ﴿الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ ببركات الدين والدنيا لأنه مهبِطُ الوحي ومتعبَّدُ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام ﴿لِنُرِيَهُ﴾ غاية للإسراء ﴿من آياتنا﴾ العظيمةِ التي من جملتها ذهابُه في برهة من الليل مسيرةَ شهرٍ ولا يقدحُ في ذلك كونُه قبل الوصول إلى المقصِد ومشاهدةِ بيت المقدس وتمثّل الأنبياءِ له ووقوفِه على مقاماتهم العلية عليهم الصلاة والسلام والالتفاتُ إلى التكلم لتعظيم تلك البركاتِ والآياتِ وقرئ ليريَه بالياء ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع﴾ لأقواله عليه الصلاة والسلام بلا أذن ﴿البصير﴾ بأفعاله بلا بصر حسبما يؤذِنُ به القصرُ فيكرمُه ويقرّبه بحسب ذلك وفيه إيماءٌ إلى أن الإسراءَ المذكورَ ليس إلا لتكرمته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ورفعِ منزلتِه وإلا فالإحاطةُ بأقواله وأفعاله حاصلةٌ منْ غيرِ حاجةٍ إلى التقريب والالتفاتُ إلى الغَيبة لتربية المهابة
﴿وآتينا موسى الكتاب﴾ أي التوراة وفيه إيماءٌ إلى دعوتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى الطور وما وقع فيه من المناجاة جمعاً بين الأمرين المتّحدين في المعنى ولم يذكر ههنا العروج بالنبي ﷺ إلى السماء وما كان فيه مما لا يُكتنه كنهُه حسبما نطقتْ به سورةُ النجم تقريباً للإسراء إلى قَبول السامعين أي آتيناه التوراة بعد ما أسرينا به إلى الطور ﴿وجعلناه﴾ أي ذلك


الصفحة التالية
Icon