الإسراء ١٦ منفعته اهتدائِه إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره ممن لم يهتدِ ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ عن الطريقة التي يهديه إليها ﴿فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ أي فإنما وبالُ ضلاله عليها لا على من عداه ممن لم يباشره حتى يمكن مفارقةُ العمل صاحبَه ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ تأكيد للجملة الثانية أي لا تحمل نفسٌ حاملةٌ للوزر وزرَ نفسٍ أخرى حتى يمكن تخلّصُ النفس الثانية عن وزرها ويختلَّ ما بين العامل وعلمه من التلازم بل إنَّما تحملُ كلٌّ منها وزرها وهذا تحقيقٌ لمعنى قوله عز وجل ولك إنسان ألزمناه طائره فِى عُنُقِهِ وأما ما يدلُّ عليه قولُه تعالى مَّن يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا وقوله تعالى لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ من حمل الغير وزر الغير وانتفاعِه بحسنته وتضرره بسيئته فهو في الحقيقة انتفاعٌ بحسنة نفسِه وتضرّرٌ بسيئته فإن جزاءَ الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العاملُ لازم له وإنما الذين يصل إلى مَنْ يشفع جزاءُ شفاعته لا جزاءُ أصل الحسنة والسيئة وكذلك جزاءُ الضلال مقصورٌ على الضالين وما يحمله المُضلون إنما هو جزاءُ الإضلال لا جزاءُ الضلال وإنما خُص التأكيدُ بالجملة الثانية قطعاً للأطماع الفارغةِ حيثُ كانُوا يزعُمون أنَّهم إن لم يكونوا على الحق فالتبعةُ على أسلافهم الذين قلدوهم ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ﴾ بيانٌ للعنايةِ الربَّانيةِ إثرَ بيان اختصاصِ آثارِ الهداية والضلال بأصحابها وعدم حِرمان المهتدي من ثمرات هدايته وعدمِ مؤاخذة النفس بجناية غيرها أي وما صحَّ وما استقام منا بل استحال في سنتنا المبنيةِ على الحِكَم البالغة أو ما كان في حكمنا الماضي وقضائِنا السابق أن نعذب أحداً من أهل الضلال والأوزارِ اكتفاءً بقضية العقل ﴿حتى نَبْعَثَ﴾ إليهم ﴿رسولا﴾ يهديهم إلى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحججَ ويمهد الشرائع حسبما في تضاعيف الكتاب المنزل عليه والمرادُ بالعذاب المنفيّ إما عذابُ الاستئصال كما قاله الشيخ أبو منصورا لما تريدي رحمه الله وهو المناسبُ لما بعدَه أو الجنسُ الشامل للدنيوي والأخروي هو من أفراده وأياما كان فالبعثُ غايةٌ لعدمِ صحَّة وقوعِه في وقتهِ المقدَّرِ لهُ لا لعدم وقوعِه مطلقاً كيف لا والأخرويُّ لا يمكن وقوعُه عَقيبَ البعث والدنيويُّ أيضاً لا يحصُل إلا بعد تحققِ ما يوجبه من الفسق والعصيان ألا يُرى إلى قوم نوحٍ كيف تأخر عنُهم ما حلَّ بهم زُهاءَ ألفَ سنةٍ وقولُه تعالى
﴿وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً﴾ بيان لكيفية وقوع التعذيب بعد البعثة التي جعلت غاية لعدم صحته وليس المراد بالإرادة تحققها بالفعل إذ لا يتخلف عنها المراد ولا الإرادة الأزلية المتعلقة بوقوع المراد في وقتهِ المقدَّرِ لهُ إذ لا يقارنه الجزاء الآتي بل دنو وقتها كما في قوله تعالى أتى أَمْرُ الله أي وإذا دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بأن نعذب أهلها بما ذكرنا من عذاب الاستئصال الذي بينا أنه لا يصح منا قبل البعثة أو بنوع مما ذكرنا شأنه من مطلق العذاب أعني عذاب الاستئصال لما لهم من الظلم والمعاصي دنوا تقتضيه الحكمة من غير أن يكون له حد معين ﴿أَمَرْنَا﴾ بواسطة الرسول المبعوث إلى أهلها ﴿مُتْرَفِيهَا﴾ متنعميها وجباريها وملوكها خصهم بالذكر مع توجه الأمر


الصفحة التالية
Icon