الإسراء ١٩ ٢٠ الحياةَ واستمرارها من جملة ما عُجِّل له فالأنسبُ بذلك كلمةُ مَن كما في قوله تعالى ومن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴿مَا نَشَاء﴾ أي ما نشاء تعجيلَه له من نعيمها لا كلَّ ما يريد ﴿لِمَن نُّرِيدُ﴾ تعجيلَ ما نشاء له وهو بدلٌ من الضمير في له بإعادة الجارِّ بدلَ البعض فإنه راجعٌ إلى الموصول المنبئ عن الكثرة وقرئ لمن يشاء على أن الضميرَ لله سبحانه وقيل هو لِمَن فيكون مخصوصاً بمن أراد به ذلك وهو واحدٌ من الدهماء وتقييدُ المعجَّل والمعجَّل له بما ذُكر من المشيئة والإرادة لما أن الحِكمةَ التي عليَها يدورُ فلكُ التكوني لا تقتضي وصولَ كلِّ طالبٍ إلى مرامه ولا استيفاءَ كلِّ واصل لما يطلُبه بتمامه وأما ما يتراءى مِنْ قوله تعالى مَن كَانَ يريد الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ من نيل كلِّ مؤمِّلٍ لجميع آماله ووصولِ كلِّ عاملٍ إلى نتيجة أعمالِه فقد أُشير إلى تحقيق القولِ فيه في سورة هود بفضل الله تعالى ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ﴾ مكان ما عجلنا له ﴿جَهَنَّمَ﴾ وما فيها من أصناف العذاب ﴿يصلاها﴾ يدخُلها وهو حالٌ منَ الضميرِ المجرورِ أو من جهنم أو استئنافٌ ﴿مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ مطروداً من رحمة الله تعالى وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضُهم إلا مساهمتَهم في الغنائم ونحوِها ويأباه ما يقال إن السورةَ مكيةٌ سوى آياتٍ معينة
﴿وَمَنْ أَرَادَ﴾ بأعماله ﴿الأخرة﴾ الدارَ الآخرةَ وما فيها من النعيمِ المقيم ﴿وسعى لَهَا سَعْيَهَا﴾ أي السعْيَ اللائقَ بها وهو الإتيانُ بما أُمر والانتهاءُ عما نُهيَ لا التقرّبُ بما يخترعون بآرائهم وفائدةُ اللام اعتبارُ النيةِ والإخلاص ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ إيماناً صحيحاً لا يخالطه شيءٌ قادحٌ فيه وإيرادُ الإيمانِ بالجملة الحالية للدِلالة على اشتراط مقارنتِه لما ذُكر في حيِّز الصلة ﴿فَأُوْلَئِكَ﴾ إشارةٌ إلى الموصولِ بعنوان اتصافِه بما في حيز الصلة وما في ذلك من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبُعد منزلتِهم والجمعيةُ لمراعاة جانب المعنى إيماءً إلى أن الإثابة المفهومةَ من الخبر تقع على وجه الاجتماعِ أي أولئك الجامعون لما مر من الخصال الحميدةِ أعني إرادةَ الآخرةِ والسعيَ الجميلَ لها والإيمانَ ﴿كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ مقبولاً عند الله تعالى أحسنَ القَبول مُثاباً عليه وفي تعليق المشكوريّةِ بالسعْي دون قرينَيْهِ إشعارٌ بأنه العمدةُ فيها
﴿كلا﴾ التنوين عوضٌ عن المضافِ إليهِ أي كلَّ واحدٍ من الفريقين لا الفريقِ الأخير المريد للخير الحقيقِ بالإسعاف فقط ﴿نُّمِدُّ﴾ أي نزيد مرة بعد مرة بحيث يكون الآنِفُ مدداً للسالف وما به الإمدادُ ما عُجّل لأحدهما من العطايا العاجلة وما أعد للآخر من العطايا الآجلةِ المشارِ إليها بمشكورية السعي وإنما لم يصرحْ به تعويلاً على ما سبقَ تصريحاً وتلويحاً واتكالاً على ما لحِق عبارةً وإشارة كما ستقف عليه وقوله تعالى ﴿هَؤُلاء﴾ بدل من كلاًّ ﴿وَهَؤُلاء﴾ عطف عليه أي نُمد هؤلاء المعجَّلَ لهم وهؤلاءِ المشكورَ سعيُهم فإن الإشارةَ متعرّضةٌ لذات المشار إليه بماله من العنوان لا للذات فقط كالإضمار ففيه تذكيرٌ لما به الإمدادُ وتعيينٌ المضاف إليه المحذوفِ دفعاً لتوهّم كونِه أفرادَ الفريقِ الأخير وتأكيدٌ للقصر المستفادِ من تقديم


الصفحة التالية
Icon