الإسراء ٢١ ٢٢ المفعول وقوله تعالى ﴿مِنْ عَطَاء رَبّكَ﴾ أي من معطاه الواسعِ الذي لا تناهيَ له متعلقٌ بنُمد ومغْنٍ عن ذكر ما به الإمدادُ ومنبِّهٌ على أن الإمدادَ المذكورَ ليس بطريق الاستيجابِ بالسعي والعمل بل بمحض التفضل ﴿وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ﴾ أي دنيوياً كان أو أخروياً وإنما أُظهر إظهاراً لمزيد الاعتناءِ بشأنه وإشعاراً بعلّيته للحكم ﴿مَحْظُورًا﴾ ممنوعاً ممن يريده بل هو فائضٌ على مَن قُدّر له بموجب المشيئة المبينة على الحكمة وإن وُجد منه ما يقتضي الحظرَ كالكافر وهو في معنى التعليل لشمول الأمدادِ للفريقين والتَّعرضُ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ في الموضعين للإشعار بمبدئيتها لما ذُكر من الإمداد وعدم الحظر
﴿انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ كيف في محل النصبِ بفضّلنا على الحالية والمرادُ توضيحُ ما مر من الإمداد وعدمِ محظوريةِ العطاء بالتنبيه على استحضار مراتبِ أحد العطاءين والاستدلالِ بها على مراتب الآخر أي انظر بنظر الاعتبار كيف فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ فيما أمددناهم به من العطايا العاجلة فمِنْ وضيع ورفيع وظالع وضليع ومالكٍ ومملوكٍ ومُوسرٍ وصُعلوكٍ تعرِفْ بذلك مراتبَ العطايا الآجلةِ ودرجاتِ تفاضل أهلِها على طريقة الاستشهاد بحال الأدنى على حال الأعلى كما أفصح عنه قولُه تعالى ﴿وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ﴾ أي هي وما فيها أكبر من قدرُها ولا يُكتنه كُنهُها كيف لا وقد عُبّر عنه بما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر هذا ويجوز أن يُراد بما به الإمدادُ العطايا العاجلةُ فقط ويُحمل القصرُ المذكورُ على دفع توهم اختصاصِها بالفريق الأول فإن تخصيصَ إرادتهم لها ووصولهم إلهيا بالذكر من غيرِ تعرضٍ لبيانِ النسبةِ بينها وبين الفريق الثاني إرادةً ووصولاً مما توهم اختصاصَها بالأولين فالمعنى كلُّ واحد من الفريقين نُمِد بالعطايا العاجلة لا مَنْ ذكرنا إرادتَه لها فقط من الفريق الأول من عطاء ربك الواسعِ وما كان عطاؤُه الدنيويُّ محظوراً من أحد ممن يريده وممن يريد غيره انظر كيف فضلنا في ذلك العطاءِ بعضَ كلَ من الفريقين على بعض آخرَ منهما وللآخِرةُ الآية واعتبارُ عدم المحظورية بالنسبة إلى الفريق الأولِ تحقيقاً لشمول الإمدادِ له كما فعله الجمهور حيث قالوا لا يمنعه مِن عاصٍ لعصيانه يقتضي كونَ القصر لدفع توهم اختصاصِ الإمداد الدنيويِّ بالفريق الثاني مع أنه لم يسبِقْ في الكلام ما يوهم ثبوتَه له فضلاً عن إيهام اختصاصِه
﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخر﴾ الخطاب للرسول ﷺ والمرادُ به أمتُه وهو منْ بابِ التَّهييج والإلهابِ أو كلِّ أحدٍ ممن يصلحُ للخطابِ ﴿فَتَقْعُدَ﴾ بالنصب جواباً للنهي والقعودُ بمعنى الصيرورة من قولهم شحذ الشفرةَ حتى قعَدتْ كأنها خَرِبة أو بمعنى العجز مِن قعد عنه أي عجز عنه ﴿مَذْمُومًا مَّخْذُولاً﴾ خبران أو حالان أي جامعاً على نفسك الذمَّ من الملائكة والمؤمنين والخِذلانَ من الله تعالى وفيه إشعارٌ بأن الموحِّدَ جامعٌ بين المدح والنصرة