الإسراء ٣٧ ٣٨ أي كلَّ واحدٍ من تلك الأعضاءِ فأُجريت مُجرى العقلاء لما كان مسئولة عن أحوالها شاهدةً على أصحابها هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا الذي يعُمّ القَبيلين جاء لغيرهم أيضاً قال... ذُمَّ المَنازِلَ بعد مَنزِلَة اللِّوى... والعيشَ بعدَ أولئِكَ الأيامِ...
﴿كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ أي كان كلٌّ من تلك الأعضاء مسئولا عن نفسه على أن اسمَ كان ضميرٌ يرجِعُ إلى كلُّ وكذا الضميرُ المجرورُ وقد جُوّز أن يكون الاسمُ ضميرَ القافي بطريق الالتفات إذ الظاهرُ أن يقال كنتَ عنه مسئولا وقيل الجارُّ والمجرور في محل الرفع قد أُسند إليه مسئولا معللاً بأن الجارَّ والمجرور لا يلتبس بالمبتدأ وهو السببُ في منع تقديمِ الفاعلِ وما يقوم مقامَه ولكن النحاسَ حكى الإجماعَ على عدم جواز تقديمِ القائم مقامَ الفاعل إذا كان جاراً ومجروراً ويجوزُ أنْ يكونَ مَنْ باب الحذف على شريطة التفسير ويحذف الجارّ من المفسر ويعود الضميرُ مستكناً كما ذكرنا في قوله تعالى يَوْمَ مَّشْهُودٌ وجُوّز أن يكون مسئولا مسنداً إلى المصدر المدلولِ عليه بالفعل وأن يكون فاعلُه المصدرَ وهو السؤالُ وعنه في محل النصب وسأل ابن جني أبا علي عن قولهم فيك يُرغب وقال لا يرتفع بما بعده فأين المرفوع فقال المصدرُ أي فيك يُرغب الرغبةُ بمعنى تُفعل الرغبة كما في قولهم يُعطِي ويمنعُ أيْ يفعلُ الإعطاء والمنع وجُوز أنْ يكونَ اسمُ كانَ أو فاعله ضميرَ كلُّ بحذف المضافِ أي كان صاحبه عنه مسئولا أو مسئولا صاحبُه
﴿وَلاَ تَمْشِ فِى الارض﴾ التقييدُ لزيادة التقريرِ والإشعارِ بأن المشيَ عليها مما لا يليق بالمرح ﴿مَرَحاً﴾ تكبراً وبطراً واختيالاً وهو مصدرٌ وقعَ موقِعَ الحالِ أي ذا مرحٍ أو تمرحُ مَرَحاً أو لأجلِ المرح وقرئ بالكسر ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض﴾ تعليلٌ للنهي وفيه تهكّم بالمختال وإيذانٌ بأن ذلك مفاخرةٌ مع الأرض وتكبرٌ عليها أي لن تخرِقَ الأرض بدَوْسك وشدة وطأتك وقرئ بضم الراء ﴿وَلَن تَبْلُغَ الجبال﴾ التي هي بعضُ أجزاء الأرض ﴿طُولاً﴾ حتى يمكن لك أن تنكير عليها إذ التكبرُ إنما يكون بكثرة القوة وعِظَم الجنة وكلاهما مفقودٌ وفيه تعريضٌ بما عليه المختالُ من رفع رأسه ومشيِه على صدور قدميه
﴿كُلُّ ذلك﴾ إشارةٌ إلى ما علم في تضاعيف ذكر الأوامرِ والنواهي من الخِصال الخمس والعشرين ﴿كَانَ سَيّئُهُ﴾ الذي نُهي عنه وهي اثنتا عشرة خَصلة ﴿عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا﴾ مبغَضاً غيرَ مَرْضيّ أو غيرَ مراد بالإرادة الأولية لا غيرَ مرادٍ مطلقاً لقيام الأدلةِ القاطعة على أن جميع الأشياء واقعةٌ بإرادته سبحانه وهو تتمةٌ لتعليل الأمور المنهيّ عنها جميعاً ووصفُ ذلك بمطلق الكراهة مع أن البعضَ من الكبائر للإيذان بأن مجردَ الكراهة عنده تعالى كافيةٌ في وجوب الانتهاءِ عن ذلك وتوجيهُ الإشارةِ إلى الكل ثم تعيينُ البعض دون توجيهها إليه ابتداءً لما أن البعض المذكورَ ليس بمذكور جملةً بل على وجه الاختلاطِ وفيه إشعارٌ بكون ما عداه مرضياً عنده تعالى وإنَّما لم يصرَّحْ بذلك إيذاناً بالغنى عنه وقيل الإضافةُ بيانيةٌ كما في آية الليل وآية النهار وقرئ سيئةً على أنه خبرُ كان وَذَلِكَ إشارةٌ إلى ما نهي عنه من الأمور المذكورة